بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 30 مارس 2022

مختارات مختصرة حول اضطراب ثنائي القطب .. من كتاباتي بمناسبة اليوم العالمي لثنائي القطب 30 آذار

 

مختارات مختصرة حول اضطراب ثنائي القطب

من كتاباتي بمناسبة اليوم العالمي لثنائي القطب 30 آذار

1- مقدمة:

اضطراب ثنائي القطب هو حالة متكررة وغالباً مزمنة تشمل نوبات من الهوس أو تحت الهوس أو نوبات اكتئابية أو مختلطة.

وتقدر نسبة انتشاره عالمياً 2-5%

 1-2% للنوع الأول حيث تغلب فيه النوبات الهوسية، والنوع الثاني الذي تغلب فيه النوبات الاكتئابية 3-4%

(وهناك أنواع أخرى لاضطراب ثنائي القطب يمكن الرجوع إليها في التصنيف الأمريكي الخامس للاضطرابات النفسية)

وتقدر نسبة الانتحار لدى المصابين باضطراب ثنائي القطب 10-20% خلال حياتهم، وهي نسبة عالية جداً.

والاستعداد الوراثي لهذا الاضطراب عال ومؤشر الاستعداد الوراثي نسبته 0،85 بينما مؤشر الفصام حوالي 0،70 والوسواس القهري 0،55

وتعتبر الأدوية المثبتة للمزاج Mood stabilizers هي العلاج الأساسي.

وبينت الدراسات الوبائية وجود عوامل محيطية متعددة مرتبطة بثنائي القطب. وكثير منها يشبه العوامل المحيطية المرتبطة بالفصام والاكتئاب الأساسي.

والعوامل المحيطية أثناء المرحلة الجنينية أكثرها أهمية هو إصابة الحامل بالإنفلونزا. حيث إن وجود إصابة إنفلونزا في دم الأم الحامل يؤدي إلى زيادة خمس أضعاف لاحتمال ظهور ثنائي القطب مع أعراض ذهانية.

2- هل التشخيص اكتئاب أم ثنائي القطب؟

عندما يتم تشخيص مريض معين على أن لديه حالة اكتئابية (Depression) ويبدأ علاجه بدواء مضاد للاكتئاب (Antidepressant) ويتحسن بسرعة كبيرة وبشكل واضح خلال أيام أو خلال أسابيع قليلة.. فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن الطبيب المعالج "شاطر كتير" أو أن الدواء الموصوف فعال وناجح.

بل ربما يعني أن المريض يعاني من اضطراب المزاج ثنائي القطب (كان يسمى سابقاً الهوس الاكتئابي) (Bipolar mood disorder)، وأن مضاد الاكتئاب سيؤدي إلى زوال أعراض الاكتئاب وربما إلى ارتفاع في المزاج، وإلى نوبة من الهوس أو تحت الهوس.

ومن الضروري في هذه الحالات التي تتحسن بسرعة البحث عن أعراض ارتفاع المزاج حالياً، وفي قصة المريض وتاريخه. مثل نوبات سابقة من الفرح الزائد ونقص النوم وزيادة الكلام والجرأة الزائدة وزيادة الثقة في النفس وأفكار العظمة، وزيادة النشاط الجسدي والعقلي والاجتماعي، والسلوكيات الطائشة والاندفاعية مثل تبذير النقود والمغامرات العاطفية والجنسية والمهنية واستعمال المواد الادمانية، وعدم الاستقرار في الدراسة أو العمل، وغير ذلك.

ومن الضروري أيضاً البحث عن هذه الأعراض في أسرة المريض وأقاربه.

وعندما يجد الطبيب المعالج مثل هذه الأعراض عليه أن يعيد النظر في تشخيص الاكتئاب لدى المريض، لأن التشخيص الصحيح عندها هو اضطراب المزاج ثنائي القطب من النوع الأول أو الثاني او غيره، لأن اضطراب المزاج ثنائي القطب يمكن أن يتظاهر بأعراض اكتئابية واضحة وهو يترافق مع أعراض ارتفاع المزاج في تاريخ المريض أو بعد تناوله مضادات الاكتئاب.

وفي هذه الحالات يستدعي ذلك تعديل العلاج الذي يتناوله المريض وأن يوصف له دواء من فئة مثبتات أو منظمات المزاج (Mood stabilizers)، مثل ليثيوم وبعض مضادات الصرع مثل فالبرويت وكاربامازيبام ولاموتريجين، وغيرها مثل مضادات الذهان غير الوصفية الحديثة.

وتدل الممارسة العملية والدراسات الحديثة أن كثيراً من الأطباء لا ينتبهون إلى هذا الموضوع، أو لا يملكون الوقت الكافي أثناء مقابلة المريض للبحث عن الإعراض، أو أن معلوماتهم ناقصة وغير دقيقة.

وببساطة فإن اضطراب المزاج ثنائي القطب بأنواعه ودرجاته المختلفة ربما يصعب تشخيصها من المرة الأولى إذا ظهرت بشكل أعراض اكتئابية، ما لم يتم التدقيق في الأعراض الحالية وسيرها، والتدقيق في السيرة المرضية للمريض وسيرته الأسرية المرضية.

3- إدفارد مونش Edvard Munch

(1863-1944) فنان عالمي شهير نرويجي.

فقد أمه وعمره 5 سنوات ثم فقد أخته التي تكبره بعام بمرض السل وعمره 15 سنة. وأخته الأخرى كانت مريضة نفسياً وأدخلت المصحة للعلاج عدة مرات لفترات طويلة. وأخوه الأصغر توفي في عمر 30 سنة بالتهاب رئوي.

رسم سلسلة من اللوحات (22 لوحة) خلال 5 سنوات (1892-1895) تتضمن عناوينها: اليأس، الاكتئاب، القلق، الغيرة، والصرخة ( (The Screamالتي أصبحت من أشهر اللوحات العالمية.

وهكذا كثير من أعماله المبكرة كانت تعكس التشاؤم والاكتئاب والقلق من خلال ألوانها وشخصياتها.

ويعتمد في أسلوبه الذي أسسه على موضوعات نفسية يعبر عنها بطلاقة وحرية.

ومن المؤكد أن الفن وسيلة للتعبير عن الذات والبوح بالمشاعر والأفكار. ويمكن للصورة أن تقدم دلالات وحكايات أكثر من وصفها.

عاش مونش فترة من حياته حياة بوهيمية، وجرب الكحول والأفيون وغيره. وكانت له علاقة عاطفية حميمة مع امرأة متحررة من الطبقة العليا وسافر معها إلى إيطاليا وكان على وشك الزواج بها ثم تركها.

وقد عانى من حالات اكتئابية وقلق وحالات من النشاط والبهجة. ودخل مصحاً نفسياً 1908 بعد أن تدهورت حالته النفسية وكان يشرب كثيراً من الكحول وعانى من هلوسات وأفكار اضطهادية. وبعد خروجه منه لا زالت الموضوعات الحزينة في أعماله ولكن بدرجة أقل. إلى أن رسم لوحته الشهيرة الشمس وتعديلاته عليها عدة مرات 1912 وكانت ألوانها مشرقة وفيها تفاؤل ونور وقوة وإيجابية.

ومن الممكن متابعة حالته النفسية والمزاجية من خلال لوحاته التي كانت تعبر بشكل دقيق عن أعماقه وصراعاته الداخلية وتغيرات مزاجه. وهناك لوحات قاتمة وحزينة واكتئابية وفيها ألم وحزن، وهناك لوحات ملونة حيوية.

وتشخص حالته في الوقت الحالي على أنه كان يعاني من اضطراب المزاج ثنائي القطب ولديه حالات اكتئابية مع أعراض ذهانية وأيضاً حالات من ارتفاع المزاج وتحت الهوس.

4- فينسنت فان كوخ:

فينست فان غوخ فنان هولندي (1853-1890)، يصنف كأحد فناني المدرسة الانطباعية الجديدة  Impressionism  Newتتضمن رسومه بعضاً من أكثر اللوحات شهرة وشعبية وأغلاها سعراً في العالم.  مات منتحراً وعمره 37 سنة.

لا يوجد حالياً إجماع حول حالته الصحية والنفسية من قبل مؤرخي الفن والنقاد والأطباء.

ويبدو واضحاً من خلال سيرة حياته أنه كان يعاني من نوبات دورية متناوبة من الاكتئاب والنشاط الزائد ويرافق ذلك أعراض ذهانية مثل الهلوسات والهذيانات، إضافة لأعراض التهيج والغضب والسلوك الغريب مع نوبات من اختلاط الذهن وفقد الوعي ونسيان الأحداث.

وتضمنت التشخيصات التي طرحت لتفسير حالته النفسية والجسدية:

- اضطراب المزاج ثنائي القطب (الهوس الاكتئابي): وهو التشخيص الأرجح وفقاً لمعايير التشخيص الحديثة ووفقاً لأحداث سيرته الشخصية.

- اضطراب الشخصية الحدية: وفي سيرته ما يقارب وصف هذه الشخصية وفقاً للمعايير التشخيص الحديثة (الاندفاعية – عدم التوازن الانفعالي – تغيرات مزاجية حادة – سلوكيات إيذاء الذات – خوف من النبذ – صورة غير متوازنة عن الذات - علاقات مضطربة).

- تشخيصات أخرى متنوعة

وباختصار .. فإن التشحيص الأرجح هو اضطراب المزاج ثنائي القطب وهو يفسر نوباته الاكتئابية والهوسية وانتحاره. ويضاف للتشخيص أعراض صرعية، واختلاط ذهن، ورؤية صفراء، ناتجة عن التسمم بالرصاص أو الديجيتالين أو كليهما، وربما عن التسمم بمادة ثوجون الموجودة في الكحول الذي كان يشربه أيضاً.

ملاحظة: في الحديث عن تشخيص حالة فينسنت فان كوخ من الضروري الاهتمام بالقصة العائلية المرضية وأفراد أسرته. ولا يوجد في جميع المصادر أية تفاصيل دقيقة. ولكن من المفيد أن نعرف أن أخته الصغرى أصيبت بحالة نفسية شديدة وهي بعمر الأربعين سنة وقضت بقية عمرها في مشفى نفسي. وأيضاً أن أخاه الأصغر أطلق على نفسه الرصاص ومات منتحراً في عمر 33 سنة. ويشير ذلك إلى وجود عوامل وراثية قوية في أسرته وهذا ما يرجح نظرية الاضطراب المزاجي حيث أن 3 من الأخوة من أصل 6 أصيبوا بحالات نفسية شديدة.

5- اضطراب ثنائي القطب في الدليل الأمريكي الخامس:

يقسم الدليل التشخيصي والإحصائي الأمريكي للأمراض النفسية الخامس  DSM-5 (2013) اضطراب ثنائي القطب والاضطرابات المتعلقة به إلى سبعة أنواع، وهي على الشكل التالي:

 اضطراب ثنائي القطب 1 Disorder Bipolar I

 اضطراب ثنائي القطب 2 Disorder Bipolar II

  اضطراب المزاجية الدورية  Cyclothymic Disorder

 المواد (الإدمانية) / الأدوية التي تسبب ثنائي القطب والاضطراب المرتبط به

Bipolar and Related Disorder Substance/Medication-Induced

  ثنائي القطب واضطراب مرتبط به، ناتج عن مرض طبي آخر

 Bipolar and Related Disorder due to Another Medical Condition

 ثنائي القطب واضطراب مرتبط به، محدد آخر

 Other Specified Bipolar and Related Disorder

  ثنائي القطب واضطراب مرتبط به، غير محدد

 Unspecified Bipolar and Related Disorder  

ومن التغييرات الهامة في معايير تشخيص اضطراب ثنائي القطب في هذا الدليل مقارنة مع ما سبقه، التأكيد في تشخيص نوبة الهوس او تحت الهوس، على حدوث تغيرات في نشاط الشخص وفي طاقته، وليس فقط ارتفاع في المزاج.

اضطراب ثنائي القطب 1 Bipolar I :

يتطلب هذا التشخيص وجود نوبة هوس واحدة على الأقل في تاريخ المريض، ويمكن أن يسبق هذه النوبة أو يتلوها نوبة تحت الهوس أو نوبة من الاكتئاب الكبير.

وتحدد نوبة الهوس (الزهو – ارتفاع المزاج) Manic episode على الشكل التالي:

أ- ارتفاع في المزاج، أو مزاج متهيج، وزيادة في النشاطات الموجهة نحو هدف أو زيادة في الطاقة، لمدة أسبوع على الأقل.

ب - 3 أعراض مما يلي، أو 4 إذا كان المزاج متهيجاً:

1- مشاعر عظمة.

2- نقص الحاجة إلى النوم (ينام 3 ساعات فقط).

3- الكلام الزائد.

4- طيران الأفكار أو تسارعها.

5- تغير الانتباه بسهولة.

6- ازدياد النشاطات الموجهة نحو هدف (اجتماعياً – في العمل – في الجنس)، أو الهيجان (نشاطات عشوائية غير موجهة نحو هدف).

7- التورط في نشاطات تؤدي إلى عواقب أليمة (مرح صاخب وشرب كحول مفرط، سلوك جنسي طائش، صفقات تجارية حمقاء).

ونوبة تحت الهوس Hypomanic episode تحدد بأنها لمدة 4 أيام فقط وليست لمدة أسبوع أو أكثر، وأما باقي الأعراض فهي نفسها، ولا يوجد أعراض ذهانية، ولا يوجد تدهور واضح في الأداء العملي أو الاجتماعي.

وتحدد نوبة الاكتئاب الكبير Major depressive episode على الشكل التالي:

وجود 5 أعراض أو أكثر مما يلي لمدة أسبوعين على الأقل، وواحد منها إما مزاج اكتئابي، أو فقدان المتعة والاهتمام:

1- مزاج اكتئابي معظم اليوم وتقريباً كل يوم، وفقاً لشكوى المريض أو ما يلاحظ عليه.

2- نقص شديد في الاهتمام، أو فقدان المتعة في جميع أو معظم النشاطات الاعتيادية، كل يوم أو معظم الأيام، وفقاً لشكوى المريض أو ما يلاحظ عليه.

3- نقص في الوزن أو زيادته (5% من وزن الجسم خلال شهر)، أو نقص أو زيادة في الشهية كل يوم تقريباً.

4- الأرق أو زيادة النوم، كل يوم تقريباً.

5- التهيج النفسي الحركي، أو البطء، كل يوم تقريباً (كما يلاحظ على المريض).

6- الارهاق أو فقدان الطاقة، كل يوم تقريباً.

7- مشاعر انعدام القيمة، أو مشاعر ذنب غير مناسبة أو مبالغ فيها.

8- نقص القدرة على التفكير أوالتركيز، أو صعوبة اتخاذ القرارات، كل يوم تقريباً.

9- أفكار متكررة حول الموت، أفكار انتحارية، أو محاولة انتحار.

وبعد أن يتم تشخيص وجود نوبة الهوس (وهذا يكفي لتشخيص ثنائي القطب 1 كما ذكر سابقاً) يضاف إلى التشخيص 4 محددات Specifiers لتوضيح وصف الحالة بشكل أفضل. وهذه المحددات هي:

- شدة الأعراض: وهي تنطبق على نوبة الهوس أو الاكتئاب الكبير، وهي إما خفيفة أو متوسطة أو شديدة، وفقاً لكمية الأعراض الموجودة في النوبة الحالية أو آخر نوبة.

وأيضاً تضاف محددات أخرى كلما كان ذلك ممكناً:

- مع معاناة قلقةAnxious Distress  - مع أعراض مزيجة Mixed (من الهوس والاكتئاب معاً) - مع تكرار سريع للنوبات (4 نوبات في السنة على الأقل) - مع أعراض غير وصفية - مع ملامح سوداوية Melancholic (فقدان المتعة مع جميع أو معظم النشاطات، عدم الاستجابة الانفعالية ولو مؤقتاً لمثيرات ممتعة، المزاج أسوأ صباحاً باستمرار، الاستيقاظ مبكراً 2 ساعة عن المعتاد، وغير ذلك) - مع أعراض ذهانية متناسبة مع المزاج - مع أعراض ذهانية غير متناسبة مع المزاج - مع حالة جمودية Catatonia - ظهور أثناء الحمل أو بعده (4أسابيع)  Peripartum - ظهور فصلي (لأحد أنواع النوبات المزاجية في الخريف أو الشتاء لمدة سنتين متواصلتين).

انتشاره وسيره وترافقه:

    نسبة انتشاره عند الرجل مقارنة بالمرأة 1،1 إلى 1 (متقاربة).

    ظهور الاضطراب في سن 18 سنة عادة، ويمكن أن يظهر للمرة الأولى في الستينات أو السبعينات من العمر (ظهور متأخر يمكن أن يدل على إصابة جبهية صدغية، أو سوء استعمال المواد الإدمانية أو انسحابها). 

 - 90% من الأشخاص الذين تعرضوا لنوبة هوس واحدة، سيتكرر المرض عندهم.

     أكثر انتشاراً في الدول مرتفعة الدخل (ضعف النسبة).

     أكثر انتشاراً عند الأشخاص المنفصلين، أو المطلقين، أو الأرامل.

     أكثر انتشاراً حوالي 10 أضعاف عند الأقارب، ويزداد مع درجة القرابة.

هناك ترافق وراثي بين ثنائي القطب والفصام في أقارب المرضى، مشاركة في تجميع الاضطرابينCo-aggregation) )

     أكثر انتشاراً عند المرأة في حالات التكرار السريع، الأعراض المختلطة، واضطرابات الطعام.

      ربع حالات الانتحار لديها ثنائي القطب.

     إذا ترافق مع أعراض ذهانية، فإنه من المرجح أن يحدث ذلك في النوبات التالية.

30% لديهم تدهور وظيفي (عملي أو اجتماعي).

    ثنائي القطب 1 لديهم تدهور في القدرات المعرفية، ويستمر ذلك في حال المزاج الاعتيادي.

     يترافق مع اضطرابات القلق والهلع والقلق الاجتماعي ومخاوف محددة.

    يترافق مع نقص الانتباه وفرط الحركة، الجنوح، وغيره.

    يترافق مع الكحولية في 50% من الحالات، ويترافق مع ادمانات أخرى.

     أمراض الاستقلاب (السكري) والشقيقة تترافق معه بنسبة أعلى من المعدل العام.

2- اضطراب ثنائي القطب 2 Bipolar II Disorder :

يختلط تشخيصه عادة من النواحي العيادية مع اضطراب الاكتئاب الكبير، ويعتمد التشخيص على وجود نوبات اكتئاب كبير + نوبة تحت الهوس.

وتستمر نوبة تحت الهوس (4أيام فقط) ولا يوجد فيها أعراض ذهانية، إذا وجدت يكون التشخيص ثنائي القطب 1.

انتشاره وسيره وترافقه:

     الأعراض الذهانية في نوبات الاكتئاب أقل من ثنائي القطب 1.

    نوبات الاكتئاب أكثر تكراراً من ثنائي القطب 1، ومن اضطراب الاكتئاب الكبير، وأطول مدة، وأكثر إزماناً، وأكثر عند المرأة.

     نسبة انتشاره خلال 12 شهر  0،8% في الولايات المتحدة.

    يظهر في منتصف العشرينات، متأخر أكثر قليلاً من ثنائي القطب 1، ولكن أصغر سناً من اضطراب الاكتئاب الكبير.

    النوبة الأولى تظهر كنوبة اكتئاب عادة.

    عند ظهور نوبة اكتئاب، فإن 12% من الحالات تتحول إلى ثنائي القطب 2. 

    يمكن أن يسبق ظهوره اضطرابات الطعام، القلق، استعمال المواد الادمانية، مما يعقد الوصول إلى التشخيص.

     عدد نوبات تحت الهوس فيه أقل من ثنائي القطب 1.

     تقل المدة الزمنية بين النوبات مع التقدم بالعمر. 

- 5-15% من الحالات تتكرر 4 مرات بالسنة، وتحدد بأنها ”تكرار سريع“. 

5-15% من الحالات تظهر لديها نوبة هوس، ويتحول التشخيص إلى ثنائي القطب 1.

    احتمال الإصابة به هو الأعلى في أقارب المريض، مقارنة مع ثنائي القطب 1، واضطراب الاكتئاب الكبير.

    خطر الانتحار أعلى من ثنائي القطب 1.

  الأداء العملي يمكن له أن يتدهور، 15% تستمر لديهم أعراض وصعوبات بين النوبات، كما لديهم خلل في القدرات المعرفية.

    يترافق مع الاندفاعية Impulsivity، والتي يمكن أن تؤدي إلى الانتحار وسوء استعمال المواد (الاندفاعية يمكن أن تنتج عن اضطراب مرافق في الشخصية، سوء استعمال المواد، القلق وغيره).

     ربما يحدث ترافق مع الإبداع Creativity في بعض حالات ثنائي القطب، وهذا الترافق ليس خطياً، حيث يترافق الإبداع خلال الحياة مع الحالات الخفيفة، وفي أفراد الأسرة غير المصابين.

3- اضطراب المزاجية الدورية Cyclothymic Disorder:

وهو نوبات عديدة من ارتفاع المزاج أو هبوطه خلال سنتين، لا تصل في شدتها إلى نوبة تحت الهوس أو نوبة اكتئاب كبير، ولا يبقى معتدلاً أكثر من شهرين. وهو يسبب معاناة وتدهوراً اجتماعياً أو مهنياً أو حياتياً.

        انتشاره خلال 12 شهر 0،4-1% في الولايات المتحدة.

        متساو في انتشاره بين الرجال والنساء.

       يزداد ظهور الاضطراب ثنائي القطب 1 و2، واضطراب الاكتئاب الكبير، في أقاربهم من الدرجة الأولى.

       يزداد في أسرهم الاضطرابات االمرتبطة بالمواد الإدمانية.

        يزداد ظهوره في أقارب الدرجة الأولى لاضطراب المزاج ثنائي القطب 1، عن المعدل العام.

        يترافق مع استعمال المواد الإدمانية واضطرابات النوم، ويترافق مع نقص الانتباه وفرط الحركة عند الأطفال.

وأخيراً .. % - 50% يتحول إلى اضطراب المزاج 1 أو اضطراب المزاج 2 .

4- المواد (الإدمانية) / الأدوية التي تسبب ثنائي القطب والاضطراب المرتبط به  Substance/Medication-Induced Bipolar and Related Disorder:

ظهور أعراض اضطرابات المزاج (هوسية أو اكتئابية) أثناء تناول المواد أو الأدوية، أو بعد انسحابها مباشرة (أيام، وليس وقت طويل، شهر مثلاً).

هذه المواد متنوعة مثل: الكحول – فينسيكليدين – مهلوسات أخرى – منومات ومهدئات – أمفتامين وغيره من المنشطات – كوكائين – غيره.

ويجب تحديد ظهور الأعراض أنه حدث خلال استعمال المواد، أو بعد انسحابها.

•         المواد النموذجية التي تسبب أعراض اضطرابات المزاج هي: المنشطات – فينسيكليدين – ستيروئيدات (مرتبطة بكمية الجرعة).

•         الأعراض المزاجية الناتجة عن مضادات الاكتئاب أو العلاج بالصدمة الكهربائية ECT، لا تشخص هنا إذا استمرت لمدة أكثر من تأثيرها الفيزيولوجي، بل تشخص اضطراب ثنائي القطب.

5- ثنائي القطب واضطراب مرتبط به، ناتج عن حالة طبية أخرى

       :Bipolar and Related Disorder Due to Another Medical Condition

ظهور أعراض ارتفاع في المزاج مع ازدياد في النشاط يسيطر على الصورة العيادية، مع وجود دليل من القصة المرضية او الفحص الجسمي أو التحاليل الطبية على أن الأعراض ناتجة عن التأثير الفيزيولوجي المرضي لمرض طبي آخر، وهذه الأعراض لا تحدث فقط خلال أعراض اختلاط الذهن Delirium، وهي تسبب معاناة واضحة أو تدهور في الأداء الاجتماعي أو العملي أو الحياتي.

•         تحدد على أنها مع ملامح هوسية، أو مع نوبة شبيهة بالهوس أو شبيهة بتحت الهوس، أو مع ملامح مختلطة.

•         الأمراض الطبية الأساسية المسببة (القائمة طويلة): داء كوشينغ، والتصلب اللويحي المتعدد MS، الذئبة الحمامية المتعممة SLE، الجلطة الدماغية، إصابات الدماغ الرضية.

•         تتحسن الأعراض وتزول مع علاج الحالة الطبية عادة، ولا سيما مع علاج الأعراض المزاجية.

•         وفي بعض الحالات وهذا ليس مؤكداً يمكن للأعراض المزاجية الاكتئابية أو الهوسية أن تتكرر مع إصابة الدماغ الثابتة، وغيرها من أمراض الجملة العصبية المركزية.

6- اضطراب ثنائي القطب واضطراب مرتبط به، محدد آخر

Other Specified Bipolar and Related Disorder:

يطلق هذا التشخيص في الحالات التي لا تنطبق عليها معايير التشخيص لأي من اضطرابات ثنائي القطب المذكورة سابقاً، مثل الحالات التالية:

•         حالات تحت الهوس القصيرة (2-3 يوم) مع نوبات اكتئاب كبير.

•         حالات تحت الهوس أعراضها قليلة مع نوبات اكتئاب كبير.

•         حالات تحت الهوس دون تاريخ لنوبات اكتئاب كبير.

•         حالات اضطراب المزاجية الدورية لمدة أقل من سنتين.

7- اضطراب ثنائي القطب واضطراب مرتبط به، غير محدد

Unspecified Bipolar and Related Disorder:

يطلق هذا التشخيص في الحالات التي لا يوجد فيها معلومات كافية لتحديد الاضطراب بشكل أفضل (عيادة الطوارئ مثلاً).

ملاحظات وتعليقات:

1- إن استقلالية ثنائي القطب عن اضطراب الاكتئاب الكبير تقدم مهم ربما يساهم في فهمنا لكلا الاضطرابين بشكل أفضل.

2- إن إضافة نشاطات ذات هدف إلى أعراض الهوس تقدم مهم لفهم الحالات العيادية وتشخيصها المبكر.

3- هناك زيادة في تشخيص ثنائي القطب بدلاً عن تشخيص الفصام من خلال التأكيد على ارتباط الأعراض الجمودية عموماً بثنائي القطب كمحدد للحالة.

4- هناك زيادة في تشخيص ثنائي القطب على حساب تشخيص الاكتئاب الكبير من خلال التأكيد على تشخيص ثنائي القطب 2 والبحث عن أعراض تحت الهوس في حالة المريض. وهذه نقطة مهمة وعملية لأن العلاج مختلف والعلاج الصحيح يعطي نتائج أفضل.

5- هناك زيادة تشخيص ثنائي القطب على حساب تشخيص استعمال مواد إدمانية أو استعمال مضادات الاكتئاب أو العلاج بالصدمة الكهربائية، التي تؤدي إلى أعراض ثنائي القطب.

6- ربما نجد في الدراسات القادمة القائمة على الدليل الخامس أن هناك ارتفاعاً في معدل انتشار ثنائي القطب والاضطرابات المرتبطة به، بناء على ما سبق ذكره من زيادة التشخيص.

7- إن إضافة ارتباط ثنائي القطب بالإبداع إضافة هامة لفهم ثنائي القطب وأيضاً للعملية الإبداعية. وقد ذكر الدليل أن هناك ارتباطاً مع بعض حالات ثنائي القطب، ومع الحالات الخفيفة، ومع أفراد أسرة المريض غير المصابين. وتدل الملاحظات العيادية على أن الإبداع يمكن أن يرتبط حتى مع الحالات المتوسطة أو الشديدة، وهذا يحتاج للمزيد من الدراسة.

  الفنان لؤي كيالي إبداع كبير .. ومعاناة مع اضطراب المزاج ثنائي القطب- 6

يعتبر الفنان السوري الشهير لؤي كيالي من كبار فناني الفن التشكيلي السوري ومبدعيه في العصر الحديث (1934- 1978). وهو من مواليد حلب من أسرة عريقة، بدأ الرسم مبكراً قبل بلوغه عشر سنوات، وأقام أول معرض شخصي في قاعة الثانوية الأولى في حلب عام 1952. تخرج من أكاديمية الفنون الجميلة في روما - إيطاليا عام 1961، ثم عمل في التدريس في مدارس حلب ودمشق ثم في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق.

اشتهرت لوحاته برسم الوجوه (البورتريه) وتضمنت سيدات بمواضيع مختلفة، وماسحي الأحذية، وبائعي الجرائد، وبائعي اليانصيب، والسيد المسيح، وقوارب، ومرممي شباك الصيد، ومعلولا، والبحر وجزيرة أرواد، ولوحات معرضه "في سبيل القضية" عام 1967 "وهو عبارة عن 30 لوحة مرسومة بالفحم تلخص المعاناة الفلسطينية، وقد جاب بهذه اللوحات محافظات سورية كلها، وشاءت الأقدار أن تشتعل حرب حزيران والمعرض لا يزال قائماً، ما أثر في نفسيته فمزق اللوحات كلها". إضافة إلى لوحات أخرى عديدة بيعت بمبالغ كبيرة.

ووفقاً للناقد صلاح الدين محمد إن الفترة من 1973 إلى 1976 هي الفترة الذهبية في حياة كيالي، إذ رسم فيها كثيراً من لوحاته الهامة، واهتم بالمشاهد الجميلة، والزهور، والطبيعة، واهتم بالتفاصيل والألوان.

رحلته الحياتية كانت قصيرة، ولكن حياته الفنية كانت مليئة بالزخم والعطاء، وقد كتب عنه ثلاثة كتب على الأقل للفنان ممدوح قشلان والناقد صلاح الدين محمد والناقد طارق الشريف، ومئات المقالات وعدد من الندوات. وما زال الحديث عنه يغري بالاستزادة والتفهم والتقدير.

وقد رسم بين 1973- 1978 أشهر لوحاته التي نعرف منها (13) لوحة في المتحف الوطني بدمشق. ‏
ووصف بأنه شخص وسيم أنيق ابن طبقة ثرية رقيق المشاعر مع شيء من نزق ومزاجية لا تخلو من طرافة. ويذكر صديقه الفنان سعد يكن عن إعجابه الشديد بفان كوخ والسيد المسيح.

وفي أعماله عناية بالغة في نظافة اللوحة كلون، وفي التدقيق على الخط وكثافته، وأيضاً جمالية الحزن. الحزن الغامض والهادئ الذي يسري في عروق اللوحة خطاً ولوناً، مساحةً وتعبيراً، مسحة تغرينا باستحضار شخوص الفنان الإيطالي موديلياني في سكونها المثير للحيرة تألماً وتأملاً.

ومن الواضح أن الخط يشكل الحضور الأبرز في تقنياته، والأكثر فاعلية وتأثيراً على المستوى التعبيري، فجسد شخوصه يتدلى من أعماق ذاته المرهفة بحزن دفين وقديم، يتلوى في ثناياها راسماً على مسامات لوحاته معالم ذلك الحزن، وذلك الانعزال والوحدة، الأمر الذي ينسحب حتى على اللوحات التي تضم أكثر من شخص.

وفي شرح المضمون الإنساني الذي تزخر بها لوحات الفنان فإن معظمها يعالج قضايا الأرض والإنسان. ونجد أنها كانت تتسم بطابع الصمت والقتامة والتعبير المجلل بالرهبة. وهكذا كان الفنان صادقاً مع ما يعتمل في نفسه من الإحساس بالمآسي الإنسانية بشكل عام، وبواقع وطنه العربي بشكل خاص، مشكلة الإنسان العربي واحتلال أرضه، والعبث بمقدراته، وانتشار الفاقة، وتبدد الأحلام والآمال، كل هذا مضاف إليه حساسية الفنان وتفاعله مع بيئته بصدق واستيعاب، مما جعل انفعاله يتبلور إلى طابع مأساوي.

وكتب الناقد السوري طارق الشريف في كتاب عنه عن انتقاله من الواقعية إلى الواقعية الشاعرية، ومرحلة البحث عن أسلوب شخصي، ووصوله إلى الواقعية التعبيرية، ثم إلى الواقعية الجديدة. (تفاصيل هامة ودقيقة ومرتبة عن أعماله الفنية ولوحاته في موقعه على الانترنت http://www.louay-kayali.com)

حالته النفسية: 

أصيب عام 1966 بمرض نفسي وفقاً لما نشره الأستاذ الأديب فاضل السباعي (وهو زوج أخته وعضو اتحاد الكتاب العرب ويكبره بخمس سنوات) وأدخل المشفى في دمشق وحلب وبيروت خلال 1968-1970 وتحسنت حالته ثم تعرض للانتكاس. وأحيل للتقاعد من الجامعة عام 1971.

وعادت أيامه الذهبية ونشاطاته عام 1973 وأقام عدة معارض وندوات، ورسم لوحة للمتحف الوطني بدمشق "من وحي أرواد" بحجم كبير 400 x 125 سم عام 1976. وفي عام 1977 رسم لوحته "من الريف" للمتحف الوطني في حلب بحجم كبير 300 x 180 سم.

وتعرض لانتكاسة نفسية عام 1977 وباع بيته في حلب وما يملكه وهاجر إلى إيطاليا، ولكنه عاد إلى حلب في شباط 1978، مخيب الرجاء، واعتزل الناس وكان يتناول عقاقير منومة. وفي إيلول 1978 احترق في سريره بسبب سيكارة سقطت من يده ونقل إلى دمشق إلى المشفى العسكري بحرستا وفارق الحياة بعدها بثلاثة أشهر تقريباً.

وقد وصفت حالته المرضية مرة بأنها "فصام" " فصام بسيط مع هياج جمودي" وأنه كان يعاني من أفكار اضطهادية وهذيانات، ومرة أخرى بأنه كان يعاني من "مرض النفاس الدوري" وفقاً لطبيبه المعالج في حلب.

ويبدو من خلال سيرته الذاتية المطروحة وما كتب عنه من تفاصيل وسلوكيات، والمراحل التي قدمها في فنه، أنه كان يمر بنوبات مرضية وفيها أعراض اكتئابية وذهانية ثم تتحسن حالته، ويعاود نشاطه وحيويته وإنتاجه في فترات أخرى.

وربما يرجح ذلك تشخيص اضطراب المزاج ثنائي القطب حيث تحدث فيه نوبات اكتئابية ونوبات أخرى فيها نشاط وحيوية وأيضاً تحدث نوبات مختلطة بينهما.

ولا بد من الإشارة إلى أن مصطلحات الطب النفسي في سورية في تلك الفترة الزمنية كانت ملتبسة وقديمة، مثل مصطلح مرض النفاس الدوري .. ولكن هذا المصطلح يشير بوضوح إلى اضطراب نفسي دوري وفيه نوبات، وهو يقترب كثيراً من مصطلح اضطراب المزاج ثنائي القطب الحديث.

وهذا الاضطراب له أنواع وله درجات خفيفة أو متوسطة أو شديدة. ويمكن أن يلتبس تشخيصه مع الفصام أو الاكتئاب.

ولا بد من الإشارة إلى أن هذا الاضطراب قد عانى منه عدد كبير من الشخصيات المبدعة والشهيرة على المستوى العالمي ومنهم الفنان الهولندي فنسنت فان كوخ وفقاً للدراسات النفسية الحديثة.

ويصعب الحديث عن المصابين بالاضطرابات النفسية في العالم العربي عادة ولاسيما في حال الشخصيات الشهيرة لأسباب عديدة تتعلق بالتخلف والجهل والتقاليد والسمعة وغيرها. وفي بلادنا تندر المعلومات والقصص المعروفة المؤكدة عن الإصابة باضطراب نفسي معين عند المشاهير. وفي حالة الفنان الراحل لؤي كيالي استثناء فريد لهذه القاعدة العامة، حيث تم الحديث عن مرضه وحالته النفسية في كتابات عديدة من أهله وأصدقائه. وربما يعود ذلك إلى وعي أهله وأصدقائه وثقافتهم العالية وتفكيرهم الواقعي. وهذا الاستثناء المتميز والهام يستحق الاهتمام والبحث والتقدير من قبل الاختصاصيين والمهتمين بالعلوم النفسية.

وببساطة يمكننا القول أن الفنان المبدع معرض للإصابة بمختلف الأمراض الجسمية والنفسية، مثله في ذلك مثل جميع الأشخاص. وربما يعاني الفنانون والمبدعون بنسبة أكبر من الفئات الأخرى في المجتمع من حالات الاكتئاب، واضطراب المزاج ثنائي القطب، وسوء استعمال الكحول، وغير ذلك، وفقاً لبعض الدراسات الغربية عن الشعراء والفنانين التشكيليين وغيرهم في المهن الإبداعية.

7- هل كان "المتنبي" يعاني من اضطراب المزاج ثنائي القطب؟

الشاعر العربي أبو الطيب المتنبي (أحمد بن الحسين، أبو الطيب الجعفي الكوفي) ولد في الكوفة (العراق) وتنقل بين بلاد الشام ومصر وفارس ومات في العراق (915- 965 ميلادية). وهو شاعر عباسي عاش في فترة نهاية الدولة العباسية وتفككها، وهو من أشهر شعراء العرب. وكتب عن شعره وشخصيته الكثير. وهو يوصف بأنه "ملأ الدنيا وشغل الناس" تقديراً لشعره وعظمته وعبقريته.

ومن النواحي النفسية كتب عنه أنه كان يعاني من "جنون العظمة" من خلال سلوكه وشعره وإدعاءاته، أو أنه كان يعاني من "نوبات اكتئابية" واضحة كما في قصيدته الشهيرة "الحمى".  وقد ظن معظم الدارسين أنه يقصد الحمى المعروفة بارتفاع الحرارة ولكن عميد الأدب العربي المعاصر طه حسين أكد أنه لم تكن هناك حمى بل كانت القصيدة وصفاً دقيقاً لحالة اكتئابية.

وتتضمن سيرة الشاعر وسلوكه تنقلات وأسفار متعددة، صراعات مع الخلفاء والأمراء والشعراء، طموحات نحو المجد والعلا والمناصب (طموحات مادية ومعنوية)، غزارة إنتاجه الشعري (326 قصيدة) وتنوع موضوعاته (مديح ورثاء وفخر وهجاء وغزل وحكمة).

وقد مدح نفسه وعظم قدراته، واشتهر ببلاغته وهجائه وحكمته ونظرته العميقة للإنسان والحياة. وأخيراً كان لديه مغامراته وأسفاره وركوبه مخاطر متعددة، والتي انتهت بمقتله مع ابنه وغلامه في عمر خمسين عاماً.

وقد تضاربت الآراء حول لقبه "المتنبئ" وقد خفف اللفظ إلى المتنبي. ومنها أنه ادعى النبوة وقاد فرقة قرمطية وحبس سنتين حتى استتاب.

ومنها تعاليه وتعاظمه في شعره مثل قوله: أنا في أمة تداركها الله .. غريب كصالح في ثمود،

أو قوله: ما مقامي في أرض نخلة .. إلا كمقام المسيح بين اليهود.

ومن النواحي النفسية العيادية يعتبر المتنبي شخصية مبدعة أنتجت شعراً بليغاً متميزاً ومتفوقاً، وترافقت سيرة حياته مع نجاحات باهرة وإحباطات مريرة واندفاعات متهورة متعددة.

وعلى الأرجح يبدو أنه تعرض لنوبات أكتئابية، ولكن هذه النوبات (كما في قصيدة الحمى) تضمنت عدة أعراض هامة مثل طلاقة التعبير وتسارع الأفكار وتشتتها (مشاعر وأفكار اكتئابية + كلام زائد + انتقال وقفز من فكرة إلى أخرى) وهي أعراض تدل (وفقاً لمعايير الطب النفسي الحديثة) على اضطراب المزاج ثنائي القطب وليس على الاكتئاب وحيد القطب أو غيره.

يضاف إلى ما سبق فإن لديه مجموعة من السلوكيات والأعراض في فترات زمنية أخرى، والتي تدل على ارتفاع المزاج وازدياده (الهوس – الزهو)، وارتفاع المزاج هذا يمكن أن يترافق مع أفكار أو هذيانات العظمة بدرجات متفاوتة في شدتها أو في استمراريتها (أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي .. وأسمعت كلماتي من به صمم).

وترجيح تشخيص اضطراب المزاج ثنائي القطب لدى المتنبي لا ينقص من قدره شيئاً. وكثير من عظماء التاريخ الماضي والحاضر في مختلف المجالات ربما كانوا يعانون من هذا الاضطراب (راجع مقالتي شخصيات عالمية شهيرة لديها اضطراب المزاج ثنائي القطب).

ومن الملاحظ أن عدداً من المشاهير يفضلون أن يقال عنهم أنهم مروا بحالة اكتئابية لأن الاكتئاب أقل ارتباطاً بالوصمة الاجتماعية السلبية. وتشارك وسائل الإعلام المختلفة في هذا الخلط وكذلك العامة. وأما من النواحي الطبية والعلمية فإن هناك اختلافات عديدة بين الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب من ناحية الأعراض والسيرة الحياتية والعلاج، ومن الضروري التمييز بينهما بالنسبة للعامة وللاختصاصيين أيضاً.

ولا بد من تعديل النظرات الاجتماعية السلبية حول جميع الاضطرابات النفسية بما فيها اضطراب المزاج ثنائي القطب في مجتمعاتنا العربية حيث تحاط الأمور النفسية بكثير من السرية والإخفاء وأيضاً بالإهمال والتجاهل.

وبالطبع فإن هذا الاضطراب يمكن أن يصيب مختلف الشرائح الاجتماعية وله درجاته الخفيفة أو المتوسطة أو الشديدة. وهو يصيب المشاهير أيضاً في مختلف مجالات الشهرة كما أنه يرتبط بالعملية الإبداعية عموماً.

والتعرف على هؤلاء المشاهير وأنهم كانوا يعانون من هذا الاضطراب من الممكن له أن يساهم في تعديل النظرات السلبية الشائعة في المجتمع حول الاضطرابات النفسية.

ومن ناحية أخرى يفيد ذلك في فهم العمليات اﻻبداعية وتطبيقاتها المتنوعة العملية والتربوية والأكاديمية. حيث أصبح معروفاً أن هناك ارتباطاً بين الإبداع واضطراب المزاج ثنائي القطب بدرجاته المختلفة، وعدد كبير من المشاهير في ميادين الفن والأدب والموسيقى والغناء (وغيرها من الميادين العلمية والسياسية والفكرية) كانوا يعانون من هذا الاضطراب، ولم يمنع ذلك من إنتاجهم أو إبداعهم، بل أوصلهم إلى الشهرة والعالمية. ويمكن للفن والأدب أن يساهم بتوازن الحالة النفسية المرضية، أو أنه من خلال التعبير الفني يساهم بالعلاج الذاتي (المؤقت طبعاً). حيث يعبر الفنان عن أحواله وصراعاته بواسطة الفن أو الأدب مما يخفف من توتره ويساعده على التماسك من جهة، ومن جهة أخرى فإن العمل المنجز يشكل مكافأة وتقديراً معنوياً ومادياً أحياناً، مما يساهم في التوازن والتماسك النفسي والشعور بالرضا والنجاح.

كما يساهم ذلك أيضاً في زيادة الوعي النفسي العام في المجتمع مما يؤدي إلى التعرف على اﻻضطراب النفسي مبكراً وعلاجه والتخفيف من آثاره السلبية، مما يساهم في تقدم وتطور المجتمع وصحته النفسية.

 د. حسان المالح 30/3/2022