بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 23 أكتوبر 2020

إدفارد مونش، عندما تحكي اللوحات حكايات نفسية

 

إدفارد مونش، عندما تحكي اللوحات حكايات نفسية:

 د. حسان المالح


الصرخة The Scream 1893-

إدفارد مونش

إدفارد مونش Edvard Munch (1863-1944) فنان عالمي شهير نرويجي عاش في العاصمة أوسلو معظم سنواته، وانتقل إلى برلين لمدة 4 سنوات ودرس في باريس عدة سنوات والتقى فنانيها.

فقد أمه وعمره 5 سنوات ثم فقد أخته التي تكبره بعام بمرض السل وعمره 15 سنة. وأخته الأخرى كانت مريضة نفسياً وأدخلت المصحة للعلاج عدة مرات لفترات طويلة. وأخوه الأصغر توفي في عمر 30 سنة بالتهاب رئوي.

درس الهندسة لمدة عام بناء على رغبة والده الطبيب، ولكنه تركها بسبب ولعه بالفن ودرس في مدرسة الفنون الملكية في أوسلو (1-2).

رسم سلسلة من اللوحات (22 لوحة) خلال 5 سنوات (1892-1895) تتضمن عناوينها: اليأس، الاكتئاب، القلق، الغيرة، والصرخة التي أصبحت من أشهر اللوحات العالمية.

وهكذا كثير من أعماله المبكرة كانت تعكس التشاؤم والاكتئاب والقلق من خلال ألوانها وشخصياتها.

رسم لوحته الطفل المريض 1885 وكانت تعكس حالة أخته المريضة، وقد عاد للوحة عدة مرات ينقحها ويعيد رسمها 1907 The Sick Child. وهو يقول عنها أنها اكتشاف كبير قد أثر على جميع لوحاته اللاحقة.

الطفل المريض The Sick Child

تأثر بالفنانين الانطباعيين النرويجيين والألمان وغوغان وفان غوخ وهنري دي تولوز لوتريك وغيرهم، وتصنف أعماله ضمن المدرسة الانطباعية، وما بعد الانطباعية، والرمزية.

واللوحات الانطباعية عادة تحكي كلاماً ورسائلاً، وفيها تضخيم والتقاط للانفعالات المتنوعة ولا سيما الحزن والقلق والشقاء والبؤس من خلال شخوصها وألوانها.

ويؤكد مونش أن الفن عمل إنساني ذاتي وليس محاكاة للطبيعة.

وقد أعجب بكتابات ديستويفسكي وأراد أن يرسم الروح وخلجاتها وأن يعبر عن أحواله النفسية الذاتية في لوحاته، بينما عبر ديستويفسكي عن ذلك من خلال كتاباته.

وهو يقول "إن لوحاتي هي مذكراتي اليومية الشخصية" (3).

ويقول إنه يعاني من قلق عميق حاول أن يعبر عنه من خلال الفن. وأن المرض والجنون والموت هم الشياطين السود الذين كانوا يتابعوني خلال حياتي.

ويعتمد في أسلوبه الذي أسسه على موضوعات نفسية يعبر عنها بطلاقة وحرية.

ومن المؤكد أن الفن وسيلة للتعبير عن الذات والبوح بالمشاعر والأفكار. ويمكن للصورة أن تقدم دلالات وحكايات أكثر من وصفها (3).

ويقول مونش إن أعمالي هي اعتراف إرادي ومحاولة لشرح نفسي وعلاقتي مع الحياة، وفي ذلك نوع من النرجسية ولكني أطمح أن أستطيع مساعدة الآخرين للوصول إلى وضوح الرؤيا.

عاش مونش فترة من حياته حياة بوهيمية، وجرب الكحول والأفيون وغيره. وكانت له علاقة عاطفية حميمة مع امرأة متحررة من الطبقة العليا وسافر معها إلى إيطاليا وكان على وشك الزواج بها ثم تركها.

وقد عانى من حالات اكتئابية وقلق وحالات من النشاط والبهجة. ودخل مصحاً نفسياً 1908 بعد أن تدهورت حالته النفسية وكان يشرب كثيراً من الكحول وعانى من هلوسات وأفكار اضطهادية. وبعد خروجه منه لازالت الموضوعات الحزينة في أعماله ولكن بدرجة أقل. إلى أن رسم لوحته الشهيرة الشمس وتعديلاته عليها عدة مرات 1912 وكانت ألوانها مشرقة وفيها تفاؤل ونور وقوة وإيجابية (4).

الشمس The Sun

ومن الممكن متابعة حالته النفسية والمزاجية من خلال لوحاته التي كانت تعبر بشكل دقيق عن أعماقه وصراعاته الداخلية وتغيرات مزاجه. وهناك لوحات قاتمة وحزينة واكتئابية وفيها ألم وحزن، وهناك لوحات ملونة حيوية.

وتشخص حالته في الوقت الحالي على أنه كان يعاني من اضطراب المزاج ثنائي القطب (2-3) ولديه حالات اكتئابية مع أعراض ذهانية وأيضاً حالات من ارتفاع المزاج وتحت الهوس.

ومن المعروف أن هناك ارتباطاً بين الإبداع واضطراب المزاج ثنائي القطب بدرجاته المختلفة، وعدد كبير من المشاهير في ميادين الفن والأدب والموسيقى والغناء (وغيرها من الميادين) كانوا يعانون من هذا الاضطراب، ولم يمنع ذلك من إنتاجهم أو إبداعهم، بل أوصلهم إلى الشهرة والعالمية. ويمكن للفن والأدب أن يساهم بتوازن الحالة النفسية المرضية، أو أنه من خلال التعبير الفني يساهم بالعلاج الذاتي (المؤقت طبعاً). حيث يعبر الفنان عن أحواله وصراعاته بواسطة الفن أو الأدب مما يخفف من توتره ويساعده على التماسك من جهة، ومن جهة أخرى فإن العمل المنجز يشكل مكافأة وتقديراً معنوياً ومادياً أحياناً، مما يساهم في التوازن والتماسك النفسي والشعور بالرضا والنجاح (5).

من أهم لوحاته الشهيرة الصرخة 1893 The Scream وفيها تجربة خوف ورعب شديدة مع هلوسات سمعية كما شرح ذلك في مذكراته.

ويقول الدكتور شاكر عبد الحميد إن لوحة الصرخة الشهيرة لإدفار مونش مثلاً التي رسمها عام 1893، قد وجهت لتصوير ذلك الألم الخاص بالحياة الحديثة، وقد أصبحت أيقونة دالة على العصاب والخوف الإنساني. في اللوحة الأصلية تخلق السماء الحمراء شعوراً كلياً بالقلق والخوف وتكون الشخصية المحورية فيها أشبه بالتجسيد الشبحي للقلق. ومثلها مثل كثير غيرها من اللوحات الشهيرة فقد تم نسخ الصرخة وإعادة إنتاجها في بطاقات بريد وملصقات إعلانية وبطاقات أعياد الميلاد وسلاسل مفاتيح، واستخدمت كذلك كإطار دلالة في فيلم سينمائي سمي الصرخة ظهر عام 1996 وتجسدت اللوحة في أقنعة بعض الشخصيات في الفيلم، حيث كان القاتل يرتدي قناعاً مستلهماً منها (6).

يمكننا القول إنه يمكن توظيف اللوحة وفهمها ضمن أطر متعددة. وبعضهم اجتزأ من اللوحة السماء واللون الأحمر، وبعضهم ركز على الوجه فقط دون المحيط.
وتتعدد تفسيرات اللوحات بتعدد المشاهدين، كل يرى شيئاً قد يكون مختلفاً.

ولكن يبقى المعنى العام لأية لوحة ولهذه اللوحة محدداً بمكوناتها الأساسية. حيث تبرز هنا معاني الرعب والخوف الشديد والألم النفسي، والوحدة بشكل مكثف وإبداعي ومؤثر. فالوجه قد استطال وتشوه من شدة الخوف وملامح الوجه مطموسة نسبياً كالعينين والحاجبين والأنف وأما الفم فهو مفتوح ويصرخ؟ والعينان شاخصتان بشكل مبالغ فيه، واليدان تغطيان الأذنين، وبالطبع فإن وجود الشخصين القادمين يمكن أن يحمل أكثر من معنى. والجسر المرتفع والهاوية تحته كذلك. وأما السماء والطبيعة المحيطة والألوان الصارخة والقوية والداكنة فهي تضفي أجواء خاصة كابوسية وغريبة.

ومن المثير في شرح الفنان للصورة في كتاباته "أنه سمع صرخة مدوية لها صدى، بعد أن انتابه خوف شديد وشعور بالحزن وتغير في لون السماء إلى اللون الأحمر". وكل ذلك يشبه تجربة ذهانية حادة وقصيرة. ولا ندري هل هذه صرخة كونية من السماء؟ أم من أعماق النفس البشرية؟ أم أنها مزيج منهما معاً؟ وهل كل هذا الرعب بسبب الصرخة التي سمعها فأطلق صرخة رعب دفاعية هو أيضاً؟ والمهم أن الفنان استطاع أن يبدع هذه اللوحة مهما كانت التفاصيل والتفسيرات والغموض الذي يحيط بها (7).

ويقول أحد النقاد أن صرخة الطبيعة هو المعنى الأصلي للوحة باللغة الألمانية (8).

وللفنان لوحة أخرى تشبهها ولكنها أقل شهرة بعنوان القلق 1894 Anxiety


القلق Anxiety

ولوحة رقصة الحياة 1899 The Dance Of Life(2).


رقصة الحياة The Dance Of Life

(بالمناسبة.. لوحة الصرخة رسم الفنان منها أكثر من نسخة، والنسخة التالية موجودة حالياً في متحف مونش بالعاصمة النروريجية أوسلو).

 

المراجع:

1- https://www.biography.com/artist/edvard-munch

https://en.wikipedia.org/wiki/Edvard_Munch -2

3 - https://www.google.com/search?q=the+sun+edvard+munch&client=firefox-b-d&sxsrf=ALeKk000ThlVhBuRElW-kChEzwAXybCI6A:1603297366212&tbm=isch&source=iu&ictx=1&fir=Pzfdc6jtT6QEDM%252CNm3AZlBIm6Q85M%252C%252Fg%252F11cktgvd51&vet=1&usg=AI4_-kT-zcTa63g9XMMX-xm5aiHTxCd8XA&sa=X&ved=2ahUKEwiwvu2PjMbsAhXDxIUKHeOuDDgQ_B16BAgUEAM#imgrc=dMeiABCgWS2eSM&imgdii=RSCtOln6DIq8aM

4-

https://www.cambridge.org/core/journals/bjpsych-advances/article/art-of-edvard-munch-a-window-onto-a-mind/747AD9F91000C9CF26957BE8E88C4E8D/core-reader

5-

https://hayatnafs1.blogspot.com/search?updated-max=2016-08-20T11:53:00-07:00&max-results=7&start=66&by-date=false

 6-

د. شاكر عبد الحميد، عصر الصورة الصادر عن سلسلة عالم المعرفة 311 يناير 2005

7-

https://hayatnafs1.blogspot.com/search?updated-max=2016-09-30T22:02:00-07:00&max-results=7&start=38&by-date=false

8-

https://www.lifeinnorway.net/the-scream/

دمشق 23-10-2-20