بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 28 أكتوبر 2016

كيف ندرك اللغة ونفهمها؟

كيف ندرك اللغة ونفهمها؟
د. حسان المالح

"ترجمة الصورة:عزيزي مدرس اللغة اﻻنكليزية يمكنك قراءة الكلمات حتى لو كانت اﻷحرف غلط ماعدا الحرف اﻷول واﻷخير..التوقيع: التهجئة الدقيقة ليست بتلك اﻷهمية"
الصورة هي فكاهة نفسية ظريفة جداً ومثيرة .. وهي صحيحة طبعاً .. وتعتمد على قوانين الإدراك التي طرحتها مدرسة الغشتالت في التكوين الكلي .. والغشتالت هي مدرسة نفسية ألمانية نشأت في عشرينيات القرن الماضي واهتمت بقضايا الإدراك البشري وقوانينه ومبادئه .. وكلمة غشتالت (جشطلت في بعض الترجمات) gestalt في الألمانية تعني whole أو التكوين أو الكل .. ومن مبادئ الغشتالت أن الكل أكبر من مجموع أجزائه وهو يشكل تكويناً مستقلاً له صفاته وصفاته التي تفوق صفات أجزائه ومكوناته.
وأيضاً مبدأ التقارب المكاني ويعني أن الأشياء المتقاربة مكانياً تدرك على أنها وحدة كلية .. وهنا في فهم اللغة تشكل الأحرف الأولى والأخيرة التكوين الأساسي للكلمة ومن خلال السياق والتقارب المكاني للكلمات يتم فهم العبارة ببساطة .. وتلعب الخبرة السابقة دوراً في فهم المثيرات الغامضة وهي تساعد على فهمها وإعطائها المعنى المناسب من خلال تصحيحها وإضافة الناقص منها كي تصبح مفهومة. وكل ذلك يساهم في فهمنا لعمليات الإدراك المتنوعة التي نقوم بها لفهم ماحولنا .. وببساطة غالباً مانفهم الآخر من خلال المحادثة الكتابية (الشات) ولو كانت الأحرف ناقصة أو خاطئة.
ومن المؤكد أن التهجئة للحروف (في جميع اللغات) ليست بتلك الأهمية التي كنا نعتقدها ..وقوانين الإدراك النفسي واللغوي تؤكد ذلك .. وهذا يطرح إمكانية تطوير اللغات وتعديلها وأيضاً يطرح قضايا هامة حول الطرق الأفضل في كيفية تعليمها.
كما يطرح ذلك قضايا عديدة في ميدان التواصل اللغوي، والتكوين العقلي والنفسي، وفهم الرموز المتنوعة، وغير ذلك.

الخميس، 27 أكتوبر 2016

ملاحظات حول الذكاء الانفعالي (العاطفي) ومواجهة الأزمات:

ملاحظات حول الذكاء الانفعالي (العاطفي)  ومواجهة الأزمات:

د. حسان المالح - استشاري الطب النفسي - أستاذ في الجامعة العربية الدولية - دمشق - العيادة النفسية الاستشارية -2322841


 الذكاء الانفعالي (العاطفي) موضوع حديث نسبياً في علم النفس .. وقد طرحه العالم دانييل غولمان عام 1995 في الولايات المتحدة الأمريكية. وهو يتلخص في القدرة على تفهم الشخص لانفعالاته الشخصية ومن ثم التعامل معها، ومن ناحية أخرى تفهم انفعالات الآخرين والتعامل معها بشكل مناسب.
وهذا الذكاء يمكن تنميته من الطفولة ويمكن التدريب عليه وزيادة هذه المهارات العقلية الانفعالية .. كما أن الذكاء الانفعالي يرتبط بالنجاح العملي والاجتماعي أكثر من ارتباطه بالذكاء العام.
وهناك تفاصيل كثيرة حول الموضوع وحول تطبيقاته وأيضاً هناك أبحاث عديدة ومستمرة حول ذلك.
وفي الحديث عن الذكاء الانفعالي في مواجهة الأزمات والضغوط النفسية .. يمكننا القول أن الذكاء الانفعالي له دور واضح إيجابي في مواجهة الضغوط والأزمات النفسية والاجتماعية المتنوعة ..وذلك بالنسبة للفرد نفسه، وأيضاً للآخرين من خلال تقديم الدعم النفسي لهم. والحديث عنه وتنميته جزء أساسي من برامج الدعم النفسي الاجتماعي وقت الأزمات.
ويمكننا تلخيص مفهوم الذكاء الانفعالي بأنه "أن تهدئ نفسك وتخفف عنها .. وهذا نصف الذكاء ..  ونصفه الثاني أن تهدئ غيرك وتخفف عنه" ويمكننا أن نشرح ذلك بشكل عملي من خلال الملاحظات التالية:
أن تهدئ نفسك:
1- أن تتعرف على انفعالاتك وتحددها وتصفها قدر الإمكان .. أي أن تدرك أنك غاضب أو خائف أو قلق أو محبط أو منزعج بدلاً عن الهروب من الانفعالات وعدم تصديقها أو الاعتراف بها .. مما يساعد في التعامل معها.
2-  التنفس والتحكم به أكثر كي يكون بطيئاً وعميقاً .. ومن ذلك القيام بالسعال عدة مرات متتالية .. حيث يخرج الهواء مع السعال ثم يدخل إلى الصدر كميات أكبر من الهواء، أو من خلال فتح الأنف باليد وأخذ هواء أكثر عدة مرات إلى أن يهدأ التنفس ويصبح أعمق.
وكل ذلك بدلاً عن التنفس السريع المتوتر والسطحي الذي يرافق كل الانفعالات السلبية مثل الغضب والخوف والقلق والتوتر والقرف وغيرها ..
وتدريبات الاسترخاء المتنوعة كلها مفيدة في التحكم بالتنفس وجعله أكثر عمقاً وبطأَ.
كما أن الأساليب الدينية والروحية تساهم في ذلك مثل التسبيح والاستغفار وغيرها .. وكذلك تدريبات اليوغا والتأمل.
3-  من أساليب التهدئة العامة .. الجلوس بدلاَ عن الوقوف .. وإذا كنت غاضباً .. إجلس . وإذا كنت جالساً .. تمدد .. وهكذا.
4- تفيد الرياضة بكل أنواعها في تهدئة النفس، وكذلك الاستحمام، وتغسيل الوجه وتنظيف الأنف. وشم العطور والروائح الجميلة، وأيضاً الموسيقى.
5-  من الأساليب العامة تناول مشروب ساخن أو بارد تحبه ..وأيضاً شرب الماء .. وذلك يهدئ النفس ويخفف التوتر ( طاسة الرعبة أو الخوف: وهي معروفة في بلادنا في الأجيال السابقة وكانت موجودة في كثير من المنازل .. وهي طاسة معدنية محفور عليها آيات قرانية يشرب منها الشخص بحالة الخوف كي يخف خوفه).
وببساطة فإن كل الانفعالات مثل الغضب والخوف تسبب ازدياد نبضات القلب وسرعة التنفس وأيضاً جفاف الفم ونقص اللعاب .. وتناول أي مشروب يفيد في ترطيب الفم مما يعطي إشارات راجعة إلى الدماغ بانتهاء جفاف الفم والحلق وهذا بدوره يخفف من استمرار التوتر والانفعالات السلبية القادمة من الدماغ.
6- هناك أساليب شائعة لتخفيف التوتر لا ينصح بها لأن لها أضراراً متنوعة .. ومنها التدخين والكحول والمواد الإدمانية الأخرى وكل ذلك داء وليس دواء.
أن تخفف عن نفسك: 
أي أن تواسي نفسك بنفسك وتقلل من شدة الإحباط أو الصدمة أو المشكلة .. وذلك من خلال عدة نقاط:
1- عن طريق تصغير المشكلة بدلاً عن تضخيمها..ويحتاج ذلك إلى مهارة عقلية ومنطقية وثقافة عامة إيجابية مساعدة.  ومن ذلك أن تنظر إلى مشكلات أكبر عند غيرك.
2- "عين الرضا" ومنطق التسليم والتقبل والواقعية .. وأن ماحدث قد حدث .. ويجب التعامل معه وتخفيف أضراره قدر الإمكان .. وأن ماتظنه شراً ربما يكون خيراً .. وغير ذلك من الأفكار والأقوال والأساليب التي تساهم بتعديل شدة المشكلة.
3-  الصبر والتحمل والصلابة والمرونة .. وكل ذلك من المهارات العقلية ومهارات النضج الانفعالي والعقلي وهي تحتاج إلى التدريب منذ الصغر ..وهي تعتمد على ضبط النفس وعلى تأجيل الرغبات والتحكم بالأمور .. وأيضاً تحمل الضغوط والإحباط لفترات متفاوتة.
4- التفكير الإيجابي والتفاؤل والفعالية.. وهي مهارات وقدرات ترتبط بالتكوين العقلي والانفعالي للفرد وبتكوين شخصيته. ويمكن التدريب عليها وتربيتها منذ الطفولة.. ومنها القدرة على التنافس وإيجاد الحلول والقيام بأفعال بدلاً عن السلبية والشلل والاستسلام.
 
5-  الابتعاد عن المثيرات المزعجة قدر الإمكان ..والتخفيف من استقبالها ..مثل الابتعاد عن نشرات الأخبار المزعجة أو المؤلمة وعن الأشخاص المزعجين أو السلبيين. وعادة تكون طاقة الفرد على الاحتمال لها سعة كمية وهي محدودة  بتكوينه الشخصي والعقلي وتجاربه السابقة ..وما يتعرض له الفرد من مشكلات وضغوط يستهلك طاقته الداخلية وقدراته على التحمل وقواه النفسية .. وهذا الابتعاد النسبي عن المثيرات السلبية يساهم في تخفيف الضغوط التي تواجهه مما يساعده في التعامل معها بشكل مناسب.
6-  لا بأس في التخفيف من المسؤوليات والأعباء الملقاة على كاهل الفرد والتي تساهم في استهلاك الطاقة الداخلية وتقلل منها .. مما يتح لما بقي من طاقاته أن تتعامل بشكل مناسب مع الضغوط والمشكلات التي يواجهها.
7- القيام بأمور وفعاليات ممتعة يحقق فيها الشخص ذاته ويجدد طاقاته وقوته .. وأي سلوك ممتع يفيد في ذلك .. ومن ذلك تناول طعام يحبه، أو مشاهدة فيلم جميل، أو أي نشاط اجتماعي أو ثقافي او ترفيهي.
وأيضاً سلوك العون ومعاونة الآخرين له فوائد في الرضا عن الذات وفي التخفيف من حدة مشكلاته.
8- القدرات والمهارات الاجتماعية وزيارة ولقاء الأهل والأصدقاء والمعارف .. حيث يمكن للآخرين أن يلعبوا دوراً نفسياً داعماً أو دوراً ترفيهيا مفيداً .. وكل ذلك يزيد من طاقة الفرد واحتماله.
9- الفكاهة والمرح والضحك .. كلها تفيد في تحسين المزاج وتخفيف الغم والهم والضغوط .. كما أنها تعدل من كيمياء الدماغ مما يساعد في التخفيف عن النفس أثناء مواجهة الأزمات.
وأخيراً .. تنطبق هذه الامور التفصيلية سابقة الذكر حول "أن تهدئ نفسك وتخفف عنها" .. على النصف الثاني من مكونات الذكاء الانفعالي: "أن تهدئ غيرك وتخفف عنه". إضافة إلى بعض التعديلات والمهارات الأخرى المرتبطة بالآخر .. ولا يتسع المجال هنا للحديث عن ذلك . وهذه القدرات تجاه الآخرين يمكن التدرب عليها وتنميتها منذ الطفولة .. وهي تتلخص في تفهم الآخرين والتعاطف معهم وقراءة انفعالاتهم المتنوعة .. وأيضاً القدرة على التخفيف عنهم من خلال الحوار والتفهم والتعاون والقيام بسلوكيات مناسبة.
دمشق 26-10-2016

السبت، 22 أكتوبر 2016

الذكريات تبقى .. والأشخاص يذهبون:

الذكريات  تبقى .. والأشخاص يذهبون:

الدكتور حسان المالح


حكمة نفسية وحياتية مفيدة..الذكريات الجميلة تبقى واﻷشخاص يذهبون باتجاهات متنوعة.. بعضهم يموت وبعضهم يرحل بعيداً أو قريباً. وبعضهم يصبح غريباً عنك أو عدواً أو بين بين.. وغير ذلك. والمهم أن يبقى للشخص ذكرياته الجميلة المتنوعة التي يحتفظ بها ويرجع إليها أحياناً.. وهي تشهد له أنه قد عاش حياته، كما أنها تساعده على متابعة حياته القادمة فهو الآن أكثر خبرة ومعرفة بالحياة والآخرين.

"من كتابي: في النفس والفن والأدب والحكمة - قيد النشر"
للمزيد من حكم وأقوال نفسية من كتاباتي على الرابط التالي 

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

ملاحظات سريعة حول ممارسة الطب النفسي في سورية في الوقت الحالي:

ملاحظات سريعة حول ممارسة الطب النفسي في سورية في الوقت الحالي:
د. حسان المالح - دمشق - استشاري في الطب النفسي - أستاذ في الجامعة العربية الدولية - العيادة النفسية الاستشارية 2322841

1- ازدياد الطلب على الخدمات النفسية بشكل عام في مختلف الحالات الشديدة أو المتوسطة أو الخفيفة.
2- ازدياد حالات الشدة النفسية الحادة وحالات اضطراب بعد الصدمة.
3- ملاحظة تفكك الأسرة ومرافقة شخص واحد أو عدد أقل من أسرة المريض للمريض مما يؤثر سلبياً على الدعم النفسي للمريض.
4- ازدياد المسؤوليات على المريض وبعضهم صار عليه مسؤوليات مزدوجة بسبب غياب بعض أفراد الأسرة وتغير تكوينها.
5- هبوط عتبة التحمل للمريض ودعمه من قبل ذويه بسبب الأولويات الأخرى التي يواجهونها في حياتهم اليومية.
6- ازدياد المقاربة النفسية الاجتماعية في ممارسة الطبيب النفسي وازدياد تعاونه مع المعالجين النفسيين والاخصائيين الاجتماعيين وغيرهم من المؤسسات الحكومية والأهلية والدينية وغيرها.
7- ازدياد التأكيد في الممارسة العلاجية على العوامل العامة التي تفيد إيجابياً في مواجهة الأزمات والضغوط مثل الفكاهة والدعم الاجتماعي وفعالية الذات وعدد من المفاهيم المعرفية التي تؤكد على الإيجابية.
8- ملاحظة تحسن عام في الوصمة السلبية للأمور النفسية وتراجع هذه الوصمة عند فئات متنوعة.
9- تطورت الخدمات النفسية بشكل عام نحو الأحسن.. مع وجود ملاحظات سلبية عديدة وتحديات تحتاج لجهود إضافية من قبل المؤسسات الصحية والتعليمية والإدارية ..مثل قانون الصحة النفسية وتدريب المعالجين النفسيين وتطوير أساليب التعليم الجامعي وغيرها ..

" من الندوة التي عقدت في دمشق بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية تحت عنوان واقع الطب النفسي في سورية تحديات وحلول برعاية الرابطة السورية للطب النفسي 10-10-2016"

الأحد، 9 أكتوبر 2016

دراسة هامة حول العنف

دراسة هامة حول العنف :
ترجمة وإعداد د. حسان المالح
"
انخفاض معدل ضربات القلب أثناء الراحة عند الرجل هو عامل خطورة مؤكد للقيام بأعمال عنف".
إن انخفاض معدل ضربات القلب أثناء الراحة يرتبط بالقيام بأعمال عنيفة خطيرة وفقاً لدراسة حديثة نشرت في مجلة الطب النفسي التابعة للجمعية الطبية الأمريكية تشرين الأول-2015. وقد تمت الدراسة على 700 ألف رجل سويدي حيث بينت أن انخفاض معدل ضربات القلب أثناء الراحة في عمر 18 سنة تنبأ بالعنف عند الكبار بعد 30 سنة، حيث زادت نسبة الخطورة بنسبة 49%. ونظراً لضخامة العينة المدروسة أكثر من 100 مرة من عينات الدراسات السابقة مجتمعة فإن ذلك يجعل نتائج هذه الدراسة من الناحية التجريبية لاتقبل المخالفة أو النقد. وتربط الدراسة انخفاض معدل ضربات القلب أثناء الراحة بالعنف الشديد والعنف الأقل شدة والجرائم المرتبطة بالمواد الادمانية وجرائم الممتلكات وحتى جرائم المرور.
المرجع:

دراسة جديدة حول الشخصية المضادة للمجتمع:

دراسة جديدة حول الشخصية المضادة للمجتمع:
ترجمة وإعداد د. حسان المالح
تبين الدراسة أن الأشخاص الذين لديهم صفات من الشخصية الإجرامية (الأنانية المفرطة، التلاعب والاحتيال، الاندفاعية، السيطرة وضعف التعاطف مع الآخر)، أقل احتمالاً أن يتأثروا بتثاؤب الآخرين (عدوى التثاؤب). مقارنة مع الأشخاص الذين لديهم درجات عالية من التعاطف مع الآخر((empathy.

اختبار جديد لقياس النرجسية

اختبار جديد لقياس النرجسية
:
ترجمة وإعداد د. حسان المالح
سؤال واحد فقط يحدد مدى النرجسية .. إلى أي درجة توافق على العبارة التالية: "أنا نرجسي"
على مقياس من 1إلى 7 حيث 1= ليس صحيحاً بالنسبة لي، 7= صحيح تماماً بالنسبة لي .
ملاحظة: نرجسي يعني أناني، متمركزعلى ذاته، مغرور.
اختبار جديد ومفيد .. وطبعاً فهو سريع جداً مقارنة مع اختبارات أخرى مثل اختبار اضطراب الشخصية النرجسية والذي يتضمن 40  سؤالاً. ويمكن تطبيقه بشكل واسع على فئات متنوعة في المجتمع، إضافة لاستعماله في المجال العيادي.

السبت، 8 أكتوبر 2016

القلق والاكتئاب واضطراب الذاكرة:

القلق والاكتئاب واضطراب الذاكرة:
د. حسان المالح
يمكن في حالات القلق الحاد والضغط النفسي والتوتر .. إضافة لحالات الاكتئاب، أن يحدث نقص في التركيز واضطراب في الذاكرة للأحداث القريبة .. ويشبه ذلك ما يحدث في حالات الخرف المتنوعة ومنها مرض ألزهايمر حيث يحدث تراجع تدريجي في كل القدرات العقلية ومنها التركيز والذاكرة وذلك لأسباب عضوية وتشريحية في الدماغ.
وببساطة فإن أعراض اضطراب الذاكرة ونقص التركيز في سن الشباب سببها الرئيسي هو القلق والتوتر والضغوط النفسية. أما في حالات الكبار والمسنين فالوضع أكثر تعقيداً.
وقد يصعب التشخيص التفريقي بين حالات الاكتئاب وحالات الخرف في حالات الكبار والمسنين .. والفحص السريري الدقيق إضافة للقصة المرضية وخبرة الطبيب المعالج، توضح عادة التشخيص.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن بعض حالات الخرف العضوية المنشأ يمكن لها أن تترافق مع حالات الاكتئاب.

الجمعة، 7 أكتوبر 2016

كتابات أدبية - خواطر شخصية: حكايتي مع الورود

كتابات أدبية - خواطر شخصية:
حكايتي مع الورود
 الدكتور حسان المالح 


أول وردة قطفتها كانت قرنفلة .. كنا نجلس على العشب الأخضر في حدائق مباني جامعة دمشق القديمة حيث كانت مخابر كلية الطب والمشرحة .. وجوارها كلية الصيدلة. وكان يتوسط تلك الأبنية حدائق جميلة متفاوتة في مساحتها وهي تحيط بمسجد الجامعة، وإلى جوارها غير بعيد كانت المكتبة المركزية ومقصف الجامعة وبينهما حدائق أيضاً.
كان القرنفل وردتي المفضلة فهي قريبة من القلب جميلة ورائحتها رائعة.. وهي تتكاثر بسرعة ووفرة.. ومع كل التهذيب والقيم التي تربينا عليها لم أجد حرجاً كبيراً في قطف واحدة منها أو أكثر .. لأن ذلك لم يكن يلحق ضرراً بهذه الورود المنتشرة.
لم تكن لي خبرة في الورود أو الزراعة أبداً .. وربما ساهمت فيروز في تعلقي بوردتي من خلال أغنيتها عن أهديتني وردة وخبأتها في كتابي وعن المزهرية والهدية الضائعة..
ثم كبرنا وتعلمنا عن الورود والحب والحياة أكثر .. وكنت أبحث عن وردة أهديها في عيد ميلادها أو في غيره .. وتهديني ..وكبرنا أيضاً وصارت الوردة باقة وتنوعت أنواعها وروائحها ومناسباتها .. ومنها طبيعي ومنها صناعي متميز يعيش طويلاً..وأصبح حب الورود بالنسبة لي عادة وصفة أحبها تلازمني بين الأهل والأصدقاء.. وقد نجحت في زراعة وردة جورية زهرية رائعة وياسمينة بلدية أحبها وتحبني، في منزلي.
وأجد اليوم .. بعد سنوات عديدة أن حنيني لقرنفلة بيضاء أو حمراء مازال أصيلاً، وسأبحث عنها وأزرعها قريباً مني.
ولا تتوقف الحكاية. 
دمشق 2015



نصائح علاجية في حالات الخجل عند الأطفال:


نصائح علاجية في  حالات الخجل عند الأطفال:
الدكتور  حسان المالح 

فيما يلي بعض الملاحظات التي تفيد الأهل والمهتمين بأمور التربية في مساعدتهم للطفل الخجول المنكمش في المناسبات الاجتماعية:
1) إن بعض التوتر والارتباك في المواقف الاجتماعية هو أمر طبيعي عند كثير من الأطفال .. لا تضخم المشكلة .. فالطفل يحتاج لبعض الوقت ليفهم ما يجري حوله وبعض الأمور التي يعتبرها الكبار عادية تكون غير ذلك في عقل الطفل.
2) حاول تفهم مشاعر الطفل وأفكاره وقلقه إذا طالت فترة الخجل أو الانكماش التي يمر بها .. راجع درجة التوتر في المنزل أو المدرسة ودرجة الاهتمام والرعاية والتشجيع التي تقدم له. وحاول تعديل الأمور السلبية قدر الإمكان.
3) تجنب دائماً إطلاق التسميات والأوصاف غير المفيدة مثل: خجول، خواف، ضعيف .... وغير ذلك.
4) شجع مختلف الهوايات عند الطفل .. بما فيها الرياضة والفنون والقدرات اللفظية وغير ذلك.
5) تأكد من إعداد الفرص الملائمة للتمرين والتدريب على مواجهة المواقف الاجتماعية والتعامل مع الأطفال الآخرين والكبار .. ومشاركة الطفل في ذلك .واستعمل ما تعرفه من أساليب لتخفيف توتر الطفل خلال هذه المواجهة كالحلوى أو اللعب أو التشجيع اللفظي ويمكنك المشاركة في الموقف والبقاء مع الطفل فترة إلى أن يخف التوتر.
6) وفر للطفل مزيداً من فرض التدريب في المنزل وغيره . . عشرة دقائق يومياً أو خمسة تتطلب منه أن يتحدث عن موضوع ما أو أن يتلو قصة أو غيرها أمام الأهل أو غيرهم .. تقبل أداءه ولا تكثر من الملاحظات في المراحل الأولى من هذه التمارين.
7) تجنب عقاب الطفل وإهانته أمام الآخرين قدر الإمكان.
8) أترك للطفل بعض الحرية في اكتشاف ما حوله بنفسه وهو يتعلم من الخطأ والتجربة ومن الإرشادات .. تقبل بعض الأخطاء ولا تكن خيالياً تريد الكمال التام.
9) تذكر أن تكون عوناً للطفل وموجوداً حين الحاجة وأن يفهم الطفل ذلك عند مواجهته لموقف اجتماعي صعب.
10) لا تبخل في تشجيع الطفل ومكافأته على سلوكه الاجتماعي الجيد ، وإجعل المكافآت مباشرة وغير بعيدة زمنياً .. لأن الطفل لا يفهم الزمن كما يفهمه الكبار.
11) لا تيأس في محاولاتك وإبدأ بشكل جدي في التغيير وإعزم على الاستمرار ، وإسأل من حولك من ذوي الخبرة أو الاختصاص عند اللزوم . وتأكد أن كثيراَ من الحالات تتحسن مع تقدم العمر وزيادة التجارب الناجحة والثقة في النفس.
 (مأخوذ بتصرف من كتاب الخوف الاجتماعي للمؤلف / الطبعة الثانية 1995 دار الإشراقات دمشق)
تم النشر في 6/6/2004

المهنة والاضطرابات النفسية:

المهنة والاضطرابات النفسية:
الدكتور حسان المالح       
مقدمة  عامة :
يبدو  أن المهنة التي يمارسها الإنسان تؤثر في شخصيته وأساليبه وتفكيره ، وأيضاً في أمراضه واضطراباته .. الجسدية منها والنفسية.
ومن المعروف أن هناك "أمراضاً مهنية" يتعرض لها الأشخاص الذين يمارسون مهنة معينة ، وبنسب تفوق معدلات هذه الأمراض عند عموم الناس . حيث يتعرض مثلاً العاملون في المواد الكيميائية وعمال المناجم لأمراض تنفسية انسدادية وسرطانية وإعتلالات في الكبد والكلية والدم وغيرها بسبب الغازات والغبار الذي يتعرضون له أثناء عملهم . كما يتعرض العاملون في تربية المواشي ونقلها وذبحها لعدد من الالتهابات الخاصة بسبب انتقال العدوى لهم من الحيوانات مثل مرض الحمى المالطية ( Brucellosis ) وغيرها .(7)
وتزداد الإصابات الجسدية والجروح والخلوع والكسور لدى فئات الرياضيين المحترفين، كما أن هناك إصابات دماغية عصبية خاصة تكثر عند الملاكمين (Punch Drunk Syndrome).
ويتعرض أطباء الأسنان للإصابة بالتسمم الزئبقي بسبب الحشوات المعدنية (Amalgam) المستعملة يومياً (وأصبحت هذه الحشوات أقل استعمالاً هذه الأيام بسبب مخاطرها المحتملة وهي تستبدل بالحشوات البيضاء غير المعدنية).
وهناك أمثلة أخرى كثيرة من الأمراض المهنية في مهن مثل الطب والمهن الطبية المساعدة والمهن العسكرية والحرفيين والعمال اليدويين وغيرهم.
ويدرس الطب المهني (Occupational Medicine) أنواع الأمراض والاضطرابات المرتبطة بمهنة معينة ، محاولاً فهم الآليات الإمراضية والمسببات المرضية وطرق الوقاية الممكنة أو طرق التخفيف من نسب حدوثها من خلال إجراء تعديلات تقنية أو كيميائية وقائية أو غير ذلك.
والحقيقة أن معدل إصابة الإنسان بمختلف الأمراض الجسمية والنفسية له ارتباطات بعدد من العوامل العامة، مثل العوامل العضوية والعمر والجنس والعرق والوراثة، وأيضاً العوامل البيئية والطبيعية التي يعيش فيها (ريف - مدينة - جبل - ساحل - صحراء) ، والبيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها (طبقة - مهنة - دين - عادات - تقاليد - ثقافة) ، وأخيراً التكوين النفسي والتربوي والشخصي الذي يتميز به. ( 9)
وفي الممارسة الطبية اليومية نجد أنه من الضروري الإلمام بمعلومات عامة عن المريض تشمل النقاط السابقة إضافة للمعلومات الخاصة بالمرض ، مما يساهم في تفهم الحالة المرضية بشكل ناجح ومما يساعد في وضع التشخيص الصحيح السريع . ومثلاً يمكن للطبيب أن يصل إلى التشخيص الصحيح بسرعة أكبر في حالة فحصه لمريض يشتكي من أعراض التهابية شديدة إذا سأل عن مهنة المريض .. حيث يتوجه الطبيب في تشخيصه إلى أمراض معينة تصيب الإنسان ناتجة عن عدوى من خلال عمل المريض في تربية المواشي مثلاً. ( 2)
ملاحظات ودراسات وصعوبات:
نجد في ميدان الأمراض والاضطرابات النفسية المتنوعة ومدى علاقتها بالمهنة، أن هناك عدداً من الملاحظات العامة في الدراسات الغربية حول ذلك . ويمكننا القول أن هناك اختلافاً واضحاً في ميدان الطب النفسي عن ميادين الطب الأخرى في موضوع الأسباب المرضية وتحديدها .. ولايزال الغموض يكتنف كثيراً من أسباب الاضطرابات النفسية . والنظرة العامة المتوازنة تؤكد على وجود عوامل عضوية ونفسية واجتماعية ( Bio-Psycho-Social ) في ظهور الاضطرابات النفسية وتطورها. ( 5 ، 8 ، 9)
وفي بعض الاضطرابات تلعب العوامل العضوية والكيمائية والوراثية دوراً حاسماً، وفي بعضها الآخر تبرز أهمية الأسباب النفسية والاجتماعية في ظهور المرض أو في شدته واستمراريته.
ومن المفيد معرفة أهمية العوامل الاجتماعية (ومنها المهنية) في تأثيرها على نسبة حدوث اضطراب نفسي معين أو شدته أو سيره، مما يفتح المجال لوضع خطط واضحة تساهم في الوقاية من الاضطرابات أو التخفيف من شدتها وآثارها.
ومما لاشك فيه أن مثل هذه الدراسات تواجهها صعوبات كبيرة، بعضها يعود إلى صعوبات نظرية وعلمية .. وبعضها يعود إلى صراعات اقتصادية واجتماعية تتعلق بتركيبة المجتمع وفئاته ومصالحه المتناقضة.
وأيضاً فإن "الوصمة السلبية" (Stigma) المرتبطة بالاضطرابات النفسية والتي لاتزال واسعة الانتشار في معظم المجتمعات تساهم في صعوبة إجراء الدرسات على أصحاب "مهنة معينة"  لمعرفة مدى "صحتهم النفسية واضطراباتهم"، حيث يشترط في في ممارسة معظم المهن بشطل صريح أو ضمني خلو المتقدم للمهنة من أي سجل "لأي اضطراب نفسي" وهذا لايتناسب مع الحياة الواقعية والعملية ومع انتشار الاضطرابات النفسية بمختلف درجاتها وأنواعها.
وبالطبع فإن العديد من المهن تتطلب توفر الحد الأدنى من الصحة الجسمية ، كما أن اللياقة الصحيةو النفسية تلعب دوراً حاسماً في أداء بعض المهن ، ولكن المشكلة تكمن في الحساسية السلبية لكل ماهو "نفساني"، وفي التعميمات الخاطئة والمبالغات غير الواقعية ، وأيضاً في تعريف مفهوم اللياقة الصحية والنفسية ونسبيته. ( 2)
تفاصيل عن الاضطرابات النفسية والمهن:
دلت عدة دراسات على أن "مرض الفصام" (Schizophrenia) ينتشر بنسبة أكبر في "الطبقات الاجتماعية المتدنية" وبالتالي في مهن خاصة وأعمال ذات مردود مالي أقل مقارنة بين المرضى وآبائهم ( 6 ، 9 ). ولايعني ذلك أن الفقر يسبب الفصام، بل إن المرض نفسه يؤدي إلى تدهور الشخصية وقدراتها وطموحها مما يجعل المرضى المصابين يتدهورون في السلم الاجتماعي والمهني.
ومن جهة أخرى يمكن للأزمات الحياتية المتنوعة (Life Events) ومنها الفقر والبطالة والخسائر المادية أن تساهم في ظهور الفصام عند من يحمل استعدادات عضوية أو كيميائية أو وراثية، أو أنها تساهم في انتكاسة المرض أو إزمانه ( 9).
وينتشر اضطراب "الهوس الاكتئابي الدوري" (Manic Depressive Disorder) في "الطبقات الاجتماعية العليا" مثل التجار ورجال الأعمال وغيرهم، وربما يكون ذلك بسبب ازدياد النشاط والتفاؤل والطموح وروح المغامرة والثقة بالنفس والسلوك الاجتماعي الواسع، والذي يميز بعض مراحل هذا الاضطراب ولاسيما الدرجات الخفيفة منه.
ويرتبط "الانتحار  (Suicide  بالطبقات الاجتماعية المتدنية بنسب مشابهة للطبقات الاجتماعية العليا، ويقل في الطبقات الاجتماعية المتوسطة، ويتبين ذلك من خلال "المهن الموازية لهذه الطبقات".
وفي "المهن الطبية" يزداد عدم التوافق الزوجي" و "الطلاق" وأيضاً "الاكتئاب" . وتبلغ نسبة الانتحار أعلاها في الأطباء اختصاصيي التخدير ثم يليهم أطباء العيون ثم الأطباء النفسيين، وفقاً لبعض الدراسات. وتتعدد تفسيرات ذلك .. ومنها أنه ربما يكون النصيب الأقل الذي يحظى به طبيب التخدير مقارنة مع الطبيب الجراح من حيث التقدير والمكافأة بمختلف الأشكال في العمليات الجراحية الناجحة، إضافة لتحمله للعبء الأكبر في العمليات الفاشلة، له دور في ذلك. وفي تفسيرات أخرى أن المواد المستعملة في التخدير ربما تزيد في نسبة الاكتئاب عند ممارسي التخدير ( 6، 9 ).
وفي "المهن الأدبية الإبداعية" تزداد نسبة "الاضطرابات الاكتئابية" (Depression) بشكل واضح مقارنة مع مجموع السكان. وتشمل هذه المهن كتاب الرواية والقصة والمسرح وكتاب النثر والشعراء. بينما تتقارب نسبة النوبات الاكتئابية الشديدة لدى العلماء والسياسيين والمؤلفين الموسيقيين والرسامين، من النسب العامة للاكتئاب في المجتمع.
وتتعدد تفسيرات ذلك .. ومنها طبيعة العمل الإبداعي الأدبي نفسه من حيث الحساسية الخاصة التي يمتلكها الكتاب لأشكال المعاناة المختلفة ، وتوحدهم (Identification) مع شخصيات أعمالهم، وأيضاً تعرضهم لأنواع الإحباط المختلفة، والاستعداد الشخصي، وغير ذلك(1).
ويزداد "الاضطراب الهوسي" (Mania) والهوس الخفيف و"اضطراب المزاجية الدوري" (Cyclothymic Disorder) لدى العاملين في "المهن الصحفية والإعلامية" كما تدل عليه الملاحظات ( 2).
وتدل الدراسات على أن مهنة "التشرد والتسول" يزداد فيها عدد المصابين بالفصام والإدمان على الكحول وغيره . كما أن "المهن اليدوية" (Manual Jobs) والتي لاتتطلب مهارات خاصة، مثل الرعي والأعمال العضلية المساعدة والأعمال المنزلية وغيرها .. يزداد فيها الأشخاص "ذوو الذكاء المنخفض" وأيضاً "الفصام والاكتئاب".
وفي عدد من الدراسات على "ربات البيوت" (House Wifes) تبين أن الاكتئاب يزداد لديهن مقارنة مع النساء العاملات في مهن وأعمال أخرى (9). كما تدل معظم الدراسات الغربية وعدد من الدراسات العربية على أن العمل بشكل عام يساهم في تحسين الصحة النفسية نظراً لإيجابيات العمل المتعلقة بالاستقلالية وتحقيق الذات وازدياد السيطرة على الحياة والمستقبل من النواحي الاقتصادية والشخصية ( 3).
وتزداد "الاضطرابات التحويلية الهستريائية" (Conversion Disorders) والاضطرابات التجسيمية (Somatization) (الشكاوى الجسمية المتعددة المزمنة نفسية المنشأ) لدى الأشخاص ذوي الثقافة التعليمية المتدنية وبالتالي في المهن والأعمال الموازية لذلك ( 5 ).
ويندر الاضطراب الوسواسي القهري (Obssessive Compulsive Disorder) في المهن الأدبية الإبداعية، وربما يزداد في المهن الدينية. ويزداد الاضطراب الهذياني (الشك - الزور) (Delusional Disorder) لدى "أسرى الحرب" وفي "السجون" ولاسيما في حالات السجن الانفرادي وغير ذلك.
وتزداد "الجنسية المثلية" (الشذوذ الجنسي) (Homosexuality) لدى الرجال الذين يمارسون المهن المرتبطة عادة بميادين عمل المرأة مثل "الخياطة" و "إعداد الطعام" و "تزيين الشعر" وغير ذلك. وأيضاً في "نزلاء السجون" و "طلبة المدارس الداخلية" من الجنسين، كما تدل عليه الملاحظات.
ويزداد "الإدمان على الكحول" (Alcoholism) في "المهن البحرية" التي تتطلب أسفاراً طويلة، وأيضاً لدى موظفي الفنادق وأماكن اللهو و (البارات) (Barmen) حيث يتوفر الكحول باستمرار. لإضافة لعدد من المهن الخطرة والعسكرية وغير ذلك. كما يزداد سوء استعمال وإدمان المنشطات لدى "فئات الطلبة" و "السائقين" وغيرهم ( 5 ، 9 ).
ويزداد "إدعاء المرض" (Malingering) والتمارض في المهن العسكرية ولاسيما أثناء الحروب وأيضاً في "نزلاء السجون". كما أن "إصابات العمل" في عدد من المهن العضلية والحرفية يمكن أن تؤدي إلى اضطراب نفسي يتميز بشكاوى جسمية ونفسية وآلام ترتبط بالإصابة العضوية الأصلية ولكن لاتتناسب معها في شدتها أو إزمانها، ويسمى ذلك "عصاب التعويض" (Compensation Neurosis) وهو يرتبط بإمكانية الحصول على تعويض مالي بسبب الإصابة الأصلية.
وهناك مايسمى بإضطراب "الشدة عقب الصدمة" أو "الشدة الصدمية" (Post Traumatic Stress Disorder) وهو يتميز بأعراض القلق والتوتر والأرق وتذكر الفجيعة (الصدمة) وغير ذلك .. وهو يلي حدوث أحداث فاجعة وأليمة مثل الحوادث والموت المفاجئ والاغتصاب والحروب والكوارث وغيرها. وهذا الاضطراب يمكن أن يصيب فئات من مهن مختلفة بعضها اعتيادية وبعضها من "المهن الخطرة والعسكرية" وغيرها ( 6، 9).
وإذا تحدثنا عن "اضطرابات القلق" المتنوعة (Anxiety Disorders) و "المخاوف المرضية" المتنوعة (Phobias) نجد أنها اضطرابات واسعة الانتشار في مختلف الفئات والمهن. ومن المؤكد أن العصر الحديث وإيقاعه السريع وتغيراته وقيمه ومشكلاته وأيضاً "مهنه الشائعة" بظروفها وشروطها ومتطلباتها  الخاصة والاجتماعية ، لها دور في ذلك الانتشار.
كما أن الإحباطات والحرمانات والصدمات العامة المرتبطة بالمهن المتنوعة لها دور في نشوء القلق والمخاوف وفي استمراريتهما .. وهناك بالطبع مهن مهئية للقلق أكثر من غيرها .. وتبقى الأمور نسبية وافتراضية تخمينية .. ولايعني ذلك إهمال بحثها ومحاولة تعديل مايمكن تعديله وإصلاحه.
وفي مجموعة أخرى من الاضطرابات النفسية والتي تسمى "اضطرابات التكيف" (Adjustment Disorders) والتي تأخذ أشكالاً من القلق والاكتئاب والأعراض الجسمية والسلوكية والأشكال المختلطة بينها ..نجد أن هذه الاضطرابات هي بالتعريف ناتجة عن سوء في التكيف لظروف معينة تتميز بالتوتر والشدة ولكن في حدود متوسطة وليست استثنائية أو نادرة. ومن الناحية العيادية نجد أن مثل هذه الاضطرابات يطلق على الشكاوى التي يبديها الأشخاص في ظروف مهنية صعبة ، أو عند البدء في عمل ما، أو عند الانتقال إلى ظروف جديدة في مجال العمل، أو غيره من العلاقات الزوجية أو الشخصية أو المهنية. ومن المفهوم والواضح أنه كلما زادت صعوبات المهنة وظروفها القاسية كلما زادت هذه الاضطرابات النفسية انتشاراً ( 5،2).
أسئلة أساسية:
وهنا لابد من العودة إلى جوهر العلاقة بين الاضطرابات النفسية والمهنة .. حيث تبرز الأسئلة التالية والتي تحتاج إلى المزيد من البحث والدراسة:
1- ماهو دور "ضغوط المهنة" ودرجة تأثيرها في نشوء الحالات النفسية؟
2- هل المهنة بذاتها ومن خلال طبيعتها تؤدي إلى تعديل وتغير في الشخص الذي يمارسها وبشكل يؤدي إلى تكوين أساليب وعادات مرضية في التفكير والانفعال والسلوك؟
3- هل يحمل الإنسان معه إلى مهنته ميولاً واستعدادات خاصة وصفات في الشخصية تهيؤه فيما بعد إلى ظهور الاضطراب النفسي؟
4- وهل تكمن الحقيقة في مزيج بين هذه المحاور الثلاثة السابقة وبدرجات متفاوتة؟
الشخصية والمهنة:
ومن الجوانب الأخرى لموضوع المهنة والاضطرابات النفسية اضطرابات الشخصية المرتبطة بالمهنة .. وتدل الملاحظات على أن مهنة "المحاسبة" مثلاً تتطلب الدقة وتطور القدرات الحسابية إضافة للدأب والبرود الانفعالي والتأني والاقتصاد. وهكذا نجد أن صفات الشخصية الوسواسية المرضية يكثر انتشارها في هذه المهن، حيث تتضخم الصفات الشخصية الطبيعية بشكل مبالغ فيه لتصل إلى الحدود المرضية.
كما أن "الموظفين في الأعمال الكتابية الروتينية والأرشيف" يتميزون بالصفات الوسواسية والإفراط في النظام والترتيب والعناد وضيق الأفق والروتين (البيروقراطية).
وفي "المهن الإدارية وأرباب الأعمال" تنتشر نمط الشخصية المسماة بنمط أ (Type A Personality) والتي تتميز بالتوتر والحدة الانفعالية والاحساس المفرط بالوقت (عدم الانتظار) والطموح الزائد والرغبة بالإنجاز والتنافس الشديد.
وفي "الأعمال العسكرية والأمنية" تزداد صفات العدوانية والشدة والمغامرة والاندفاعية والشك. وفي مهنة "التمثيل" تزداد القدرات والصفات الإيحائية (Suggestability ) مما يساعد على تقمص الممثل أو الممثلة للدور الذي يقوم به. وتزداد لديهم أيضا صفات النرجسية وحب الظهور ومثلهم في ذلك "المغنون".
وتتطلب "المهن العلمية والبحث العلمي" درجات من الانطوائية والبرود الانفعالي والتفكير الذاتي والصبر والمثابرة. وفي "المهن الرياضية" تزداد صفات الاستعراض الجسدي والتنافس والعدوانية والنرجسية ( 2 ).
الشخصية وسوق العمل:
وفي الجانب الآخر, فقد بينت الدراسات أهمية صفات الشخصية وميولها وقدراتها، ومدى ملاءمتها لمهنة معينة واستبعاد مهن أخرى لا تلائمها, مما ساهم في تطوير قياس الشخصية واختباراتها, وفي ظهور أخصائيين ومراكز للتوجيه النفسي المهني.
وتمت تطبيقات ذلك بنجاح في سوق العمل والجامعات والمعاهد الفنية وغيرها. مما يعني أن ممارسة الشخص لمهنة تتناسب مع قدراته وصفاته تعتبر أساسية في نجاحه وتكيفه المهني وفي صحته النفسية أيضاً.
والحقيقة أنه نظراً لتغيرات سوق العمل وانتشار البطالة والاضطرار إلى ممارسة أي عمل متوفر, فإن النظريات والدراسات المتعلـقة بالشخصية والاضطرابات النفسية والمهنة قد واجهت صعوبات إضـافية في فهمها للاستعدادات والقدرات المرضية والتكيفية على حد سواء مما أدى إلى تغير النتائج وتناقضها في بعض الأحيان.
ومثلاً فإن التنقل من مهنة لأخرى مع وجود فترات من البطالة أصبح جزءاً طبيعياً ومألوفاً من الصورة العامة للقوانين الاقتصادية السائدة في عصرنا الحديث. ويحدث ذلك في كثير من الحالات بشكل إلزامي وليس اختـيارياً من قبل الفرد. بينما يعتبر المفهوم النفسي التقليدي أن تغيير المهنة باستمرار يدل على الفصام أو الهوس أو أنه دليل على وجود صفات الشخصية المضادة للمجتمع ( 2 ،5 ، 9 ).
كلمة أخيرة .. ضرورة التأسيس للطب النفسي المهني:
وأخيراً لابد من التأكيد على ضرورة الاستفادة من قضايا التوجيه المهني النفسي وتطبيقاتها في بلادنا. وأيضا ضرورة دراسة "المهنة" وظروفها وعلاقتها بالاضطرابات النفسية المتنوعة في واقعنا العملي, والاستفادة من الدراسات في هذا المجال دون تعميميات خاطئة أو متسرعة.
ولابد من تعاون المهتمين والمسؤولين في هذا الميدان مع الاختصاصيين من أطباء نفسيين (Psychiatrists) وأخصائيين نفسيين (Psychologists) والمختصين في علم النفس الصناعي المهني (Occupational, Industrial Psychologists) إضافة لغيرهم من الخبراء والمستشاريين (Councelors) من أجل تقديم الخدمات النفسية العلاجية والإرشادية اللازمة والمناسبة والقيام بإجراء الدراسات والأبحاث والندوات وتبادل المعلومات والخبرات في هذا الميدان الهام.
ويبقى هذا المجال حيوياً ومشوقاً ومفتوحاً للمساهمة في تطوير ميدان الطب النفسي المهني والـوقـائي والـذي لايـزال في مرحـلـة الـبـدايـات الأولى ( 2 ، 4 ).
المراجع:
1- الإبداع والاضطراب النفسي، ترجمة الدكتور حسان المالح، مجلة الثقافة النفسية المتخصصة، العدد 66 / نيسان 2006 صفحة 33-41.
2- الطب النفسي والحياة، الجزء الثالث، الدكتور حسان المالح، دار الإشراقات ، دمشق 1999، المهنة والاضطرابات النفسية : صفحة  21- 33.
3- الطب النفسي والحياة، الجزء الثالث،الدكتور حسان المالح، دار الإشراقات، دمشق 1999، المرأة والعمل والصحة النفسية : صفحة  293- 300.
4- موقع حياتنا النفسية- المهنة والاضطرابات النفسية - رأي  www.hayatnafs.com ( النسخة القديمة 1/3/2003 )
5- DSM IV . Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders . Fourth Edition .American Psychiatric Association  Washington , 1994
6-                         &  Comprehensive Textbook of Psychiatry . Kaplan J.I., Saddock B.J. Fourth Edition. Williams  Wilkins,1983
7-                                        Harrison's Principles of Internal Medicine. International Edition .Thirteenth Edition,1994
8-      Pocket Handbook of Clinical Psychiatry, Fourth Edition. Sadock B.J.& Sadock V.A. Lippincott Williams & Wilkins  Philadelphia , U.S.A 2005
9-                     Textbook of Psychiatry, Editors : Talbott J.A., Hales R.E.,Yudofsky S.C.A. American Psychiatric Press Washington, 1988
" نشر هذا الموضوع بنسخته الحديثة في الجزء العاشر من الموسوعة الطبية المتخصصة حول الأمراض النفسية 2012 - دمشق سورية"