بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 27 أكتوبر 2016

ملاحظات حول الذكاء الانفعالي (العاطفي) ومواجهة الأزمات:

ملاحظات حول الذكاء الانفعالي (العاطفي)  ومواجهة الأزمات:

د. حسان المالح - استشاري الطب النفسي - أستاذ في الجامعة العربية الدولية - دمشق - العيادة النفسية الاستشارية -2322841


 الذكاء الانفعالي (العاطفي) موضوع حديث نسبياً في علم النفس .. وقد طرحه العالم دانييل غولمان عام 1995 في الولايات المتحدة الأمريكية. وهو يتلخص في القدرة على تفهم الشخص لانفعالاته الشخصية ومن ثم التعامل معها، ومن ناحية أخرى تفهم انفعالات الآخرين والتعامل معها بشكل مناسب.
وهذا الذكاء يمكن تنميته من الطفولة ويمكن التدريب عليه وزيادة هذه المهارات العقلية الانفعالية .. كما أن الذكاء الانفعالي يرتبط بالنجاح العملي والاجتماعي أكثر من ارتباطه بالذكاء العام.
وهناك تفاصيل كثيرة حول الموضوع وحول تطبيقاته وأيضاً هناك أبحاث عديدة ومستمرة حول ذلك.
وفي الحديث عن الذكاء الانفعالي في مواجهة الأزمات والضغوط النفسية .. يمكننا القول أن الذكاء الانفعالي له دور واضح إيجابي في مواجهة الضغوط والأزمات النفسية والاجتماعية المتنوعة ..وذلك بالنسبة للفرد نفسه، وأيضاً للآخرين من خلال تقديم الدعم النفسي لهم. والحديث عنه وتنميته جزء أساسي من برامج الدعم النفسي الاجتماعي وقت الأزمات.
ويمكننا تلخيص مفهوم الذكاء الانفعالي بأنه "أن تهدئ نفسك وتخفف عنها .. وهذا نصف الذكاء ..  ونصفه الثاني أن تهدئ غيرك وتخفف عنه" ويمكننا أن نشرح ذلك بشكل عملي من خلال الملاحظات التالية:
أن تهدئ نفسك:
1- أن تتعرف على انفعالاتك وتحددها وتصفها قدر الإمكان .. أي أن تدرك أنك غاضب أو خائف أو قلق أو محبط أو منزعج بدلاً عن الهروب من الانفعالات وعدم تصديقها أو الاعتراف بها .. مما يساعد في التعامل معها.
2-  التنفس والتحكم به أكثر كي يكون بطيئاً وعميقاً .. ومن ذلك القيام بالسعال عدة مرات متتالية .. حيث يخرج الهواء مع السعال ثم يدخل إلى الصدر كميات أكبر من الهواء، أو من خلال فتح الأنف باليد وأخذ هواء أكثر عدة مرات إلى أن يهدأ التنفس ويصبح أعمق.
وكل ذلك بدلاً عن التنفس السريع المتوتر والسطحي الذي يرافق كل الانفعالات السلبية مثل الغضب والخوف والقلق والتوتر والقرف وغيرها ..
وتدريبات الاسترخاء المتنوعة كلها مفيدة في التحكم بالتنفس وجعله أكثر عمقاً وبطأَ.
كما أن الأساليب الدينية والروحية تساهم في ذلك مثل التسبيح والاستغفار وغيرها .. وكذلك تدريبات اليوغا والتأمل.
3-  من أساليب التهدئة العامة .. الجلوس بدلاَ عن الوقوف .. وإذا كنت غاضباً .. إجلس . وإذا كنت جالساً .. تمدد .. وهكذا.
4- تفيد الرياضة بكل أنواعها في تهدئة النفس، وكذلك الاستحمام، وتغسيل الوجه وتنظيف الأنف. وشم العطور والروائح الجميلة، وأيضاً الموسيقى.
5-  من الأساليب العامة تناول مشروب ساخن أو بارد تحبه ..وأيضاً شرب الماء .. وذلك يهدئ النفس ويخفف التوتر ( طاسة الرعبة أو الخوف: وهي معروفة في بلادنا في الأجيال السابقة وكانت موجودة في كثير من المنازل .. وهي طاسة معدنية محفور عليها آيات قرانية يشرب منها الشخص بحالة الخوف كي يخف خوفه).
وببساطة فإن كل الانفعالات مثل الغضب والخوف تسبب ازدياد نبضات القلب وسرعة التنفس وأيضاً جفاف الفم ونقص اللعاب .. وتناول أي مشروب يفيد في ترطيب الفم مما يعطي إشارات راجعة إلى الدماغ بانتهاء جفاف الفم والحلق وهذا بدوره يخفف من استمرار التوتر والانفعالات السلبية القادمة من الدماغ.
6- هناك أساليب شائعة لتخفيف التوتر لا ينصح بها لأن لها أضراراً متنوعة .. ومنها التدخين والكحول والمواد الإدمانية الأخرى وكل ذلك داء وليس دواء.
أن تخفف عن نفسك: 
أي أن تواسي نفسك بنفسك وتقلل من شدة الإحباط أو الصدمة أو المشكلة .. وذلك من خلال عدة نقاط:
1- عن طريق تصغير المشكلة بدلاً عن تضخيمها..ويحتاج ذلك إلى مهارة عقلية ومنطقية وثقافة عامة إيجابية مساعدة.  ومن ذلك أن تنظر إلى مشكلات أكبر عند غيرك.
2- "عين الرضا" ومنطق التسليم والتقبل والواقعية .. وأن ماحدث قد حدث .. ويجب التعامل معه وتخفيف أضراره قدر الإمكان .. وأن ماتظنه شراً ربما يكون خيراً .. وغير ذلك من الأفكار والأقوال والأساليب التي تساهم بتعديل شدة المشكلة.
3-  الصبر والتحمل والصلابة والمرونة .. وكل ذلك من المهارات العقلية ومهارات النضج الانفعالي والعقلي وهي تحتاج إلى التدريب منذ الصغر ..وهي تعتمد على ضبط النفس وعلى تأجيل الرغبات والتحكم بالأمور .. وأيضاً تحمل الضغوط والإحباط لفترات متفاوتة.
4- التفكير الإيجابي والتفاؤل والفعالية.. وهي مهارات وقدرات ترتبط بالتكوين العقلي والانفعالي للفرد وبتكوين شخصيته. ويمكن التدريب عليها وتربيتها منذ الطفولة.. ومنها القدرة على التنافس وإيجاد الحلول والقيام بأفعال بدلاً عن السلبية والشلل والاستسلام.
 
5-  الابتعاد عن المثيرات المزعجة قدر الإمكان ..والتخفيف من استقبالها ..مثل الابتعاد عن نشرات الأخبار المزعجة أو المؤلمة وعن الأشخاص المزعجين أو السلبيين. وعادة تكون طاقة الفرد على الاحتمال لها سعة كمية وهي محدودة  بتكوينه الشخصي والعقلي وتجاربه السابقة ..وما يتعرض له الفرد من مشكلات وضغوط يستهلك طاقته الداخلية وقدراته على التحمل وقواه النفسية .. وهذا الابتعاد النسبي عن المثيرات السلبية يساهم في تخفيف الضغوط التي تواجهه مما يساعده في التعامل معها بشكل مناسب.
6-  لا بأس في التخفيف من المسؤوليات والأعباء الملقاة على كاهل الفرد والتي تساهم في استهلاك الطاقة الداخلية وتقلل منها .. مما يتح لما بقي من طاقاته أن تتعامل بشكل مناسب مع الضغوط والمشكلات التي يواجهها.
7- القيام بأمور وفعاليات ممتعة يحقق فيها الشخص ذاته ويجدد طاقاته وقوته .. وأي سلوك ممتع يفيد في ذلك .. ومن ذلك تناول طعام يحبه، أو مشاهدة فيلم جميل، أو أي نشاط اجتماعي أو ثقافي او ترفيهي.
وأيضاً سلوك العون ومعاونة الآخرين له فوائد في الرضا عن الذات وفي التخفيف من حدة مشكلاته.
8- القدرات والمهارات الاجتماعية وزيارة ولقاء الأهل والأصدقاء والمعارف .. حيث يمكن للآخرين أن يلعبوا دوراً نفسياً داعماً أو دوراً ترفيهيا مفيداً .. وكل ذلك يزيد من طاقة الفرد واحتماله.
9- الفكاهة والمرح والضحك .. كلها تفيد في تحسين المزاج وتخفيف الغم والهم والضغوط .. كما أنها تعدل من كيمياء الدماغ مما يساعد في التخفيف عن النفس أثناء مواجهة الأزمات.
وأخيراً .. تنطبق هذه الامور التفصيلية سابقة الذكر حول "أن تهدئ نفسك وتخفف عنها" .. على النصف الثاني من مكونات الذكاء الانفعالي: "أن تهدئ غيرك وتخفف عنه". إضافة إلى بعض التعديلات والمهارات الأخرى المرتبطة بالآخر .. ولا يتسع المجال هنا للحديث عن ذلك . وهذه القدرات تجاه الآخرين يمكن التدرب عليها وتنميتها منذ الطفولة .. وهي تتلخص في تفهم الآخرين والتعاطف معهم وقراءة انفعالاتهم المتنوعة .. وأيضاً القدرة على التخفيف عنهم من خلال الحوار والتفهم والتعاون والقيام بسلوكيات مناسبة.
دمشق 26-10-2016

هناك تعليقان (2):

  1. سمية المجتهد22 مايو 2019 في 5:09 ص

    تحقيق رائع ومفيد حقا ساعدني على التركيز على طرق التخفيف من شدة الانفعال العاطفي السلبي وتجاوز الحالة الانفعالية

    ردحذف