الإيذاء الجنسي للأطفال ..
ملاحظات نفسية اجتماعية:
الدكتور حسان المالح - استشاري الطب النفسي
إن إيذاء الأطفال جنسياً (ذكوراً وإناثاً) ظاهرة ليست نادرة
في مجتمعاتنا .. وهي ظاهرة مغلقة ومقلقة ويلفها الصمت والحذر والكتمان .. وهي تصدم
الذوق العام والحس السليم .. وتصدمنا جميعاً حين ندرك أن بنات صغيرات وأطفالاً
صغار يمكن أن يتعرضوا للتحرش أو الإيذاء الجنسي من قبل البالغين.
ويختلف "الإيذاء الجنسي" عن "اللعب الجنسي" بين الأطفال أنفسهم في أعمار متقاربة والذي لايعتبر من الناحية النفسية
والقانونية إيذاءً .. وهو يسبب قلقاً ً وانزجاعاً للأهل ويحتاج بالطبع إلى الضبط
والتعديل ولكنه ليس سلوكاً خطراً إذا كان عابراً.
وبالتعريف فإن الإيذاء الجنسي للأطفال يشمل ممارسة عدد من السلوكيات
بين البالغ والطفل مثل التحرش الجنسي بالطفل من خلال ملامسته ومداعبته أو إجباره
على ملامسة ومداعبة المتحرش به. ويمكن أن يصل الإيذاء الجنسي إلى علاقة جنسية
كاملة مع الطفل أو الطفلة. وتستخدم عادة أساليب التودد والترغيب والملاطفة للطفل
للوصول إلى التحرش والممارسة الجنسية ، مثل إعطاء الهدايا والنقود وغير ذلك .. كما
تستخدم أساليب الترهيب والتهديد والإجبار المتنوعة. ويستعمل المعتدي أسلوب
التخويف والتهديد بالانتقام للتأثير على الطفل ومنعه من إفشاء السر والكشف عن
الاعتداء للأهل والآخرين.
وتدل الدراسات الغربية على أن نسبة كبيرة من المعتدين على
الأطفال هم من الأشخاص الذين يعرفون الطفل مثل الأهل (أب، أخ، عم، خال، زوج
الأم، وغيرهم) ويسمى ذلك "زنى المحارم أو سفاح القربى"، وأيضاً من
الجيران وأصدقاء الأسرة والعاملين في المنزل .. وهذا مايسهل للمعتدي التقرب من
الطفل وإيذائه. والنسب الأقل من حالات الإيذاء تحدث مع الغرباء عن الطفل.
وفي بعض الإحصائيات العربية تتقارب نسب المعتدين من الأقارب
والغرباء وربما تزيد نسبة الغرباء .. ولايمكننا اعتبار ذلك حقيقة واقعية بسبب
التكتم الشديد المرتبط بحالات الإيذاء من قبل الأهل وصعوبة الكشف عنها واكتشافه.
ولاتوجد دراسات دقيقة في مجتمعاتنا حول هذه الحالات عموماً
بسبب الحرج والتكتم والصمت واعتبارات العار والوصمة السلبية وغير ذلك .. مع أن
الموضوع يستحق إجراء دراسات تفصيلية علمية ويستحق تسليط الأضواء عليه للوصول إلى
مزيد من الفهم والتحليل بما يساعد على الوقاية والعلاج.
والفتيات في سن 4-5 سنوات تزداد نسبة تعرضهن للإيذاء وتستمر الزيادة إلى سن
البلوغ وما بعده .. ويزداد إيذاء الأطفال الذكور في بعض البيئات الصحراوية ..
وهناك اختلافات متنوعة في نسب الحدوث والسن الحرجة وفقاً لبيئة المدينة أو الريف
أو البادية أو المجتمع.
ويحدث الإيذاء في الأسر الاعتيادية وعندها تحدث ممانعات كبيرة
وجهوداً متنوعة لإخفاء ذلك وإنكاره. ويزداد اكتشاف حالات الإيذاء في البيئات
الفقيرة، والأسر المفككة، واليتامى، وفي أوساط المهجرين، وبيئات السكن العشوائي، والمشردين والمتسولين، والأطفال العاملون (عمالة الأطفال)، والأطفال
المتخلفون عقلياً.
ويمتد الإيذاء إلى الإطفال المتفوقون في الجمال وغيرهم من
قليلي الجمال .. وفي الأسرة الواحدة يمكن أن يصيب الإيذاء أكثر من طفل..ويمكن أن
يرتبط الإيذاء الجنسي بالإيذاء الجسدي لنفس الطفل وأخوته أو للأم، من قبل الأب أو
الأخ.
وتتعدد الأسباب التي تسبب الإيذاء .. ومنها ضعف القيم وعدم
ضبط النفس والسلوك الاندفاعي، والانحراف والشذوذ النفسي والشخصي.. وأيضاً التعرض
للإيذاء في مرحلة الطفولة، وصعوبات التكيف الاجتماعي ونقص المهارات الاجتماعية
وضعف القدرة على تكوين الصداقات والتواصل مع الآخرين، وغير ذلك.
ويعتبر إيذاء الأطفال سلوكاً إجرامياً مضاداً للمجتمع ولاسيما
إذا كان متكرراً. وتختلف قوانين العقوبات من بلد لآخر وبشكل عام فإن العقوبات
شديدة وتصل إلى 15 سنة سجن مع الأشغال الشاقة في
بعض الحالات.
ويشجع الصمت وخوف الفضيحة على استمرار الجاني بفعلته .. ولابد
من وجود هيئات اجتماعية ومؤسسات وقوانين تحمي الأطفال الذين يتعرضون للإيذاء
الجنسي وترعاهم.
وتشمل ردود الفعل النفسية عند الأطفال بعد حدوث صدمة الإيذاء
الجنسي، القلق والأرق والشعور بالذنب والبكاء والكوابيس والخوف الشديد وتذكر
الصدمة في المرحلة التالية لها مباشرة .. ويمكن أن تستمر هذه الأعراض أو بعضها
فترات زمنية متفاوتة. كما يمكن أن تؤدي على المدى البعيد إلى الانعزال والانطواء
والابتعاد عن النشاطات الرياضية والاجتماعية والخجل .. ويمكن أن تؤدي إلى اضطرابات
في الشخصية وإلى الاكتئاب والقلق والمخاوف المرضية والرهاب الاجتماعي والاضطرابات
الجسمية المتعددة نفسية المنشأ "الهستيريا" والسلوك الإدماني ومحاولات
الانتحار وغير ذلك.
وهناك آثار مرتبطة بالسلوك الجنسي مثل الابتعاد عن الجنس وضعف
الرغبة الجنسية والبرود الجنسي، وأيضاً العفة الجنسية الزائدة والابتعاد عن
الزواج ورفضه وتأخيره والتذرع بمختلف الحجج لتبرير ذلك .. وفي الجانب المقابل يمكن
أن تؤدي صدمة الإيذاء الجنسي إلى اهتزاز القيم المرتبطة بالجنس وإلى التفلت الجنسي
والإباحية وتعدد العلاقات الجنسية عند المرأة .. ويمكن أن تكون صدمة الإيذاء
الجنسي عند الرجل مقدمة للشذوذ الجنسي ولاسيما إذا كانت متكررة.
وتزداد الآثار السلبية النفسية والسلوكية المرتبطة بصدمة
الإيذاء الجنسي وفقاً لشخصية الطفل والبيئة الخاصة التي ينمو فيها، ووفقاً لشدة
الإيذاء وتكراره وظروفه وطريقة التعامل مع الصدمة .. ومن الممكن بالطبع تجاوز
الصدمة دون خسائر كبيرة ولكنها تبقى ذكرى مؤلمة ومزعجة لسنوات طويلة.
ويمكن أن يؤدي الإيذاء الجنسي إلى أضرار جسدية وجروح ونزوف
وكسور وأمراض جنسية.. كما يمكن أن يؤدي إلى الموت.
وفيما يلي بعض التوجيهات العامة الوقائية:
1- ضرورة تثقيف الطفل وإعطاؤه بعض المعلومات المبسطة حول
التحرش الجنسي وتدريبه على التصرف بشكل ناجح مثل أن يصرخ أو يهرب من الموقف،
وأيضاً أن يبتعد عن أماكن الشبهات والأماكن البعيدة مثل سطح المنزل والأماكن
المظلمة، وعن الغرباء، وغير ذلك.
2- تعليم الطفل والطفلة وتشجيعهما على الحديث عن أية سلوكيات
مشبوهة قد يتعرضان لها، والتي يمكن أن تتطور إلى إيذاء جنسي، مما يمكن له أن يقي
من حدوث الإيذاء قبل وقوعه.
3- ضرورة أخذ كل حادثة إيذاء بعد وقوعها بحجمها وتفاصيلها دون
تضخيم أو تخفيف .. مع تقديم الشروحات والدعم النفسي الكافي دون إلقاء اللوم على
الطفل نفسه. وضرورة معاقبة الطرف المعتدي بالعقاب الذي يستحقه، مما يقلل من
الآثار السلبية التي يمكن أن تنتج عن هذا الإيذاء.
4- ضرورة طرح موضوعات الإيذاء الجنسي ومشكلاته إعلامياً
وتربوياً ومؤسساتياً.. وضرورة الحديث عن هذه الأمور المؤلمة دون إخفائها والتستر
عليها مما يساهم في رفع مستوى الوعي العام الأسري والتربوي والنفسي في المجتمع
الكبير وحتى عند الأطفال أنفسهم.. ضمن إطار إصلاحي وعملي يسعى للوقاية والعلاج
ويسعى إلى الحد من هذه المشكلات دون مبالغة أو إهمال.
من كتابي إضاءات نفسية -دمشق 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق