بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 23 أبريل 2018

ماهو الفرق بين الطبيب النفسي وطبيب الأمراض العصبية:

ماهو الفرق  بين الطبيب النفسي وطبيب الأمراض العصبية:
 د. حسان المالح


هناك خلط شائع بين الطبيب النفسي (Psychiatrist) وطبيب الأمراض العصبية (Neurologist) في مجتمعاتنا .. وذلك من ناحية الحالات التي يعالجها هذا الطبيب أو ذاك .. ويبدو أن هذا الخلط والاختلاط له أسبابه المتعددة:
1- تاريخياً حيث لم يكن هناك تمايز واضح بين هذين الاختصاصين وبين الاضطرابات التي يعالجها كل اختصاص .. وانتهى هذا الخلط منذ مدة طويلة في الدول المتقدمة. وتتضمن برامج تدريب التخصص الحديثة في الطب النفسي حوالي 3-6 أشهر في ميدان الطب العصبي وأمراضه، وكذلك تدريب طبيب العصبية يتضمن 3- 6 أشهر في ميدان الاضطرابات النفسية .. ولكن هذا التدريب القصير يهدف إلى زيادة المهارات وتفهم المشكلات الشائعة في الاختصاصين ولا يعتبر إجازة علمية لعلاج وتشخيص كافة الاضطرابات المتعلقة بالميدان الآخر.
2- هناك عدد من الأعراض الطبية المشتركة بين الاختصاصين مثل العرات العضلية الحركية (تشنجات متكررة في عضلات الوجه وغيره) (Tics)، التأتأة (Stuttering) وغيرها.. وهي لا تزال ضمن تشخيص الاضطرابات النفسية الحالية على الرغم من أساسها العصبي الفيزيولوجي.
وأيضاً هناك الخرف والتوحد وغيرها .. وتتم دراستها وعلاجها في اختصاص العصبية والنفسية معاً. وهذا يعني أن هناك منطقة مشتركة "لا بد منها" ربما تساهم في الخلط بين الاختصاصين ولكن المطلوب تحديد هذه المنطقة المشتركة بشكل أفضل.
3- هناك عدة أعراض ترتبط بأمراض عصبية  يمكن أن تتشابه مع اضطرابان نفسية أو تتشارك معها، وأكثرها شيوعاً الصداع .. وصداع الشقيقة ( Migraine) مثلاً هو اضطراب عصبي شائع ( حوالي 12% من السكان) يمكن أن يترافق مع الصداع التوتري (Tension headache) ( وهو من أعراض القلق والتوتر والضغط النفسي) أو يختلط به في التشخيص .. مما يتطلب التشخيص الصحيح.
وأيضاً الصرع (Epilepsy) وهو مرض عصبي شائع في جميع المجتمعات (نسبة انتشاره 0.4 - 1 %) وله عدة أشكال الصرع الكبير والصرع الصغير والصرع الجزئي (الصدغي). وهو ناتج عن شحنات كهربائية غير طبيعية في الدماغ. وهو يحتاج إلى تقييم طبيب العصبية (مخ وأعصاب) وفحصه للمريض وإجراء تخطيط دماغ له وغيره من الاستقصاءات. وهناك نوبات شبيهة بالصرع ولكنها ليست صرعاً عصبياً .. وتسمى سابقاً نوبة هستيريائية وحالياً تسمى صرع كاذب أو أعراض تحويلية نفسية. وهي لا تزال شائعة في دول العالم الثالث وفي أوساط المجندين والفتيات المراهقات وغيرهم .. وتشبه أعراضها نوبة الصرع الكبير العصبي المنشأ ولكنها تختلف في أمور عديدة، ويحتاج تفريقها إلى خبرة ودراية ومشاهدة النوبة نفسها أو الحصول على وصف دقيق تصويري لها كي يتم التفريق بين هذين المرضين ومن ثم علاجها بشكل مناسب.
كما أن بعض نوبات الصرع الجزئي أو صرع الفص الصدغي يمكن أن تترافق مع أعراض نفسية مثل الرعب وتلفظ كلمات تكرارية وهياج يمكن أن تسبب صعوبة في التشخيص الدقيق لها. وهي تحتاج أيضاً إلى الخبرة والتدقيق في الأعراض وإجراء عدة فحوصات لتأكيد التشخيص.
وفي الحالات السابقة المذكورة لا بد من توضيح التشخيص ومتالعة العلاج مع الطبيب المناسب العصبي أو النفسي وفقاً للتشخيص .. وفي بعض الحالات تتشارك الأعراض النفسية شبيهة بالصرع مع الأعراض الصرعية العضوية، وهنا لا بأس في تعاون الأطباء من الاختصاصيين في علاج الحالة.
وهناك أعراض أخرى أو أمراض أقل شيوعاً تساهم في الخلط بين العصبي والنفسي ولكن لا يتسع المقام هنا لذكرها وتفصيلها.
4- وربما يكون السبب الأكثر شيوعاً في بلادنا هو الجهل المرتبط بالأمور النفسية والوصمة السلبية الاجتماعية المرتبطة بكل ماهو نفساني .. ولذلك يفضل كثير من المرضى زيارة طبيب العصبية لأن المشكلة في "أعصابه التعبانة والمتوترة" .. وليس في نفسيته. ولا يمانع المريض أبداً في الحديث على أنه راجع طبيباً للأعصاب .. ولكنه يتحفظ كثيراً ويصمت عن كل ماهو نفسي.
وبعض الأطباء النفسيين يستخدم مصطلح عصبية لصالحه حيث يدمج في تخصصه عصبية – نفسية تخفيفاً لتأثير كلمة نفسي المجردة .. وطبعاً هذا يزيد في مشكلة الخلط ولا يساعد على تخفيفها. والمشكلة الأكبر هي طبيب العصبية الذي يعالج جميع الاضطرابات النفسية ويفتي فيها بما لا يعرفه عن هذا الميدان النفسي الذي تطور بشكل واضح في العقود الماضية في تشخيصه وعلاجاته المتنوعة.
ولا بد من التأكيد على أن قلة عدد الأطباء النفسيين في بلادنا له دور في استمرار هذا الخلط بين ميدان العصبية والنفسية، والحاجات العملية لأوضاع الدول النامية ربما لا تشجع كثيراً على وضوح وتطور هذين الفرعين من التخصص الطبي بشكل مناسب .. لكن لا بد من السير في الطريق الصحيح.
وأخيراً لا بد من التأكيد على أن أعراض القلق والتوتر والعصبية (النرفزة) والأرق هي ضمن اختصاص الطب النفسي وهو يعالجها وليس الطب العصبي. وكذلك الاكتئاب والوسواس القهري والمخاوف الاجتماعية والمرضية المتنوعة ونوبات الهلع والخوف واضطرابات بعد الصدمة النفسية. وكذلك مايسمى "الانهيار العصبي" وهو مصطلح قديم لا يزال شائعاً وربما يدل على نوبة ذهانية أو اكتئابية شديدة أو حالة هوسية أو فصام أو غيرها. وأيضاً الآلام الجسدية نفسية المنشأ والتي ترتبط بالاكتئاب أو القلق ويطلق عليها العامة "التهاب أعصاب" وهذا خلط غير مقبول وخاطئ.
وأيضاً هناك غير ذلك من الاضطرابات النفسية حيث يصل عدد التشخيصات النفسية الحديثة إلى 360 تشخيصاً محدداً.
بينما يهتم الطب العصبي بمرض الصرع والجلطة الدماغية وماينتج عنها من شلل وكذلك أورام الدماغ وشلل العصب الوجهي ومرض التصلب اللويحي المتعدد وغيره من الأمراض العصبية.
أما أطباء الجراحة العصبية فهم اختصاصيون في العمليات الجراحية المتعلقة بالجهاز العصبي مثل أورام الدماغ وإصابات الحبل الشوكي (في فقرات العمود الفقري) والأعصاب المحيطية ( النفق الرسغي) وغيرها.
وأخيراً .. لا بد من زيادة الوعي الطبي والنفسي عند الجميع .. ولا بد من التأكيد على ارتباط الطب النفسي بفروع الطب الأخرى .. ولا بد من تعاون الاختصاصات الطبية كلها فيما يفيد المريض ويساهم في تنوير وتطوير المجمتع.

الأربعاء، 11 أبريل 2018

ملاحظات أساسية حول أهداف العلاج في الطب النفسي:


ملاحظات أساسية حول أهداف العلاج في الطب  النفسي:
 د. حسان المالح

يهدف العلاج النفسي من الناحية العيادية إلى تحقيق أربعة أمور أساسية وهي:
1- إزالة الأعراض المرضية أو التخفيف منها ( (Symptoms removal or reduction: مثل الأرق وأعراض الاكتئاب وأعراض فقدان الوظيفة في الاضطرابات التحويلية (فقد الصوت أو العمى أو الشلل نفسي المنشأ) .. إضافة لأعراض الهلوسة أو الهذيانات الحادة أو أعراض نوبة الهوس والهياج أو الوسواس القهري وغير ذلك.
وبالطبع مثل مختلف الأمراض الأخرى الجسدية فإن العلاج في الطب النفسي يهدف إلى إزالة الأعراض المرضية تماماً، أو التخفيف منها قدر الإمكان (بالنسبة للأعراض المتبقية أو المزمنة والتي يصعب إزالتها تماماً).
وهذا معروف في الممارسة العملية الطبية ومن الضروري أن يتفهمه المريض وأهله والمجتمع .. وأيضاً العاملون في ميدان العلاج النفسي من مختلف التخصصات. وهناك علاجات فعالة وعلاجات متوسطة الفعالية وعلاجات ملطفة فقط في الميدان الطبي العام وفي الطب النفسي .. ومن المؤكد أن العلاج الطبي والنفسي يسعى نحو إيجاد العلاجات والطرق الأكثر فعالية ونجاحاً، وهو يعمل على اكتشاف علاجات جديدة فعالة ومفيدة دائماً. ولكن في حالات عديدة هناك حالات لا تشفى أعراضها تماماً أو يحدث فيها تحسن نسبي أو جزئي. ولا مانع من إشراك عدة طرق علاجية أو أكثر من دواء واحد في الحالات التي لا تشفى الأعراض فيها بشكل كامل. ومن المقبول والمنطقي وفي كل حالة على حدة ووفقاً لتفاصيلها وأعراضها وظروفها وتاريخها، أن يكون هدف العلاج هو تخفيف الأعراض وليس بالضرورة شفاؤها التام.
2- التكيف وإعادة التكيف الاجتماعي والأسري والمهني (Adjustment & Readjustment): إن العلاج الناجح يساهم في عودة المريض إلى أدائه المهني والاجتماعي .. ومن المطلوب تشجيع المريض على التكيف الجزئي أو التكيف الكافي في بيئته الخاصة المنزلية والأسرية والاجتماعية والمهنية (الدراسية بالنسبة للطلبة والأطفال). ويتضمن العلاج هنا المساهمة في المشورة الزوجية والأسرية والمهنية وتوجيه المريض لإتخاذ قرارات ناجحة بمساعدة الأهل وغيرهم من الخبراء في المجالات المهنية والاجتماعية والقانونية.
ويشمل هذا الهدف معظم الاضطرابات النفسية عند الصغار وعند الكبار.
3- تخفيف الأذى أو الضرر أو التخفيف من الخسائر (Harm reduction): ويعني ذلك الحد من الأضرار الناتجة عن السلوك المرضي بأشكاله المتنوعة .. ويشمل ذلك عدة اضطرابات نفسية فيها سلوكيات خطرة أو مؤذية للفرد نفسه أو للآخرين .. مثل السلوك العدواني والسلوك الانتحاري والسلوك الإدماني واضطرابات السلوك عند المراهقين واضطرابات الشخصية المختلفة .. وكل ماسبق يمكن أن يسبب أذى وأضراراً وخسائر متعددة مادية وجسدية وأسرية ومعنوية. والعلاج الناجح في مثل هذه الحالات يهدف بشكل واضح إلى تخفيف الأذى بكل الأساليب الممكنة السلوكية والعملية .. ومنها إدخال المريض إلى مؤسسات علاجية مثل المشفى وغيرها.
4- تحسين نوعية الحياة (Improving the quality of life): ويعني ذلك تحسين نوعية الحياة النفسية والعملية للمريض بأساليب عديدة. ومنها إعادة التأهيل المهني والاجتماعي بشكل منظم أو بشكل عام وفقاً للإمكانيات المتاحة. وأيضاً التثقيف النفسي والتعليمي والإرشادي الذي يساهم في تفهم المريض لحالته وانفعالاته وأفكاره وزيادة السيطرة عليها وتعديلها. وتفيد هنا الأساليب المعرفية والسلوكية والدعم النفسي والجلسات العلاجية المتنوعة ..
كما تفيد الأساليب المتنوعة التي تهدف إلى زيادة المهارات الشخصية والقدرات المختلفة (بما فيها التنمية البشرية) في تحسين نوعية الحياة التي يعيشها المريض وفي تحسين ثقته بنفسه ورضاه عنها، وربما تفيد في صحة نفسية أفضل.
وأخيراً .. إن كل الأهداف الأساسية الأربعة السابقة تفيد في علاج الاضطرابات النفسية بمختلف أنواعها (حوالي 350 اضطراب نفسي محدد وفقاً للتصنيفات الحديثة)، وأيضاً ربما تفيد في الوقاية من بعضها أو التخفيف من أعراضها أو انتكاستها. ولا يكفي أن ينظر إلى العلاج النفسي على أنه موجه لإزالة الأعراض فقط وهذه نظرة ضيقة وناقصة .. ولا بد من العمل على المحاور الأربعة الأساسية كلها. ومن الضروري توضيح هذه الاستراتيجيات والأهداف العلاجية لأنفسنا كمعالجين وأيضاً للمريض نفسه وأهله والمجتمع، مما يساهم في تفهم العملية العلاجية ويزيد من نجاحها، كما يزيد من التعاون بين مختلف الأطراف لتطبيقها والالتزام بها.
دمشق  11/4/2018