بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 4 مارس 2018

عندما يصبح "الشراء" علاجاً للإكتئاب!!

عندما يصبح "الشراء" علاجاً للإكتئاب!!
  د. حسان المالح
مما لا شك فيه أن "لكل جديد لذة" في مختلف المجالات .. وعندما تشتري قميصاً أو حذاءَ يعجبك فإن ذلك سيشعرك بالسرور والسعادة.
ومن الوصفات الشائعة عند العامة لعلاج الاكتئاب أن اشتر ثياباً جديدة أو حذاءً جديداً، أو حقيبة جديدة، أو غيّر قصة شعرك أو لونه .. ومايشبه ذلك كثير وشائع.
وأن كل ذلك سيحسن نفسيتك ويجعلك مرتاحاً وإيجابياً وسعيداً .. وبالطبع فإن في ذلك قصر نظر واضح .. وهو لا يفيد إلا مؤقتاً في حالات الحزن والإحباط والاكتئاب الخفيف، وربما لا يفيد أبداً في حالات الاكتئاب المرضية.
وهذه الوصفة لعلاج الاكتئاب غير واقعية وسطحية وهي من الخرافات الشائعة في مجتمعاتنا، وهي ترتبط بالثقافة المعاصرة الاستهلاكية.
وتشجع الثقافة الاستهلاكية على الشراء وعلى ابتكار حاجيات وأشياء جديدة كي تشتريها .. في مختلف المجالات. وهذه الثقافة تهدف إلى الربح المستمر وإلى السيطرة على المستهلك وحواسه ورغباته إلى أن يصبح زبوناً ومستهلكاً مثالياً باستمرار.
وفي دراسات اضطراب الإدمان على التسوق والشراء Compulsive buying disorder نجد أن الاكتئاب هو العامل المشترك الأكثر شيوعاً في العينات المدروسة ولاسيما عند المرأة. وتلجأ المرأة المكتئبة إلى التسوق المتكرر بنسبة عالية. ويساهم الملل والشعور بالوحدة في ذلك السلوك. كما أنه يمكن أن يكون تعويضاً عن الاحتياجات العاطفية ونقص تقدير الذات، وفيه نشوة وإثارة وشعور بالتميز.
ويؤدي التسوق الاندفاعي المتكرر إلى راحة مؤقتة ورضى عن الذات، ولكن يعقب ذلك عادة مشاعر ندم وذنب وخيبة أمل وإهمال لتلك المشتريات.
ويرتبط هذا الاضطراب باضطراب المزاج ثنائي القطب والاكتئاب واضطرابات الطعام والإدمانات المختلفة والقمار.
وهو يسبب مشاكل زوجية وطلاق وديون وإفلاس وربما يشجع على السرقة.
وفي الدليل التشخيصي الأمريكي للاضطرابات النفسية الخامس (2013) لم يجر تضمين هذا الاضطراب ضمن الدليل، بسبب نقص الأدلة العلمية على وجوده كاضطراب مستقل بذاته. وكذلك لم يتضمن الدليل التشخيصي اضطراب فرط السلوك الجنسي (Hypersexuality)، ولا هوس السرقة (Kleptomania).
بينما جرى تضمين الدليل اضطرابات القمار، ولعب الألعاب على الانترنت ضمن اضطرابات السلوك الاندفاعي.
وقد اختلف الباحثون في تصنيف هذا الاضطراب .. وبعضهم يجعله ضمن الإدمانات، وبعضهم ضمن الوسواس القهري، وبعضهم ضمن اضطرابات المزاج.
ونظراً لعدم كفاية الدراسات حول هذا الاضطراب فإننا في الوقت الحالي لا يمكننا اعتباره مرضاً نفسياً واضحاً وله صفاته وخصائصة المميزة وعلاجاته المفيدة.
ولكن هناك عدة دراسات حوله وهو موجود بشكل أو بآخر .. وهو اضطراب سلوكي يرتبط بالحضارة المعاصرة الاستهلاكية، وهو غير موجود في المجتمعات النامية الفقيرة إلا ضمن الطبقة العليا الغنية منهم.
وليس مقبولاً أن يتحول سلوك الشراء إلى مرض نفسي مستقل .. وربما هو شكل متطرف من السلوك أفرزته تركيبة المجتمع المعاصر وثقافة الاستهلاك التي لا ترتوي.
وهو يحتاج إلى تعقيل القيم والسلوك وتعديلها وليس إلى العلاج الطبي والدوائي.
ولكن من المؤكد أن مزيداً من الدراسات العلمية حول هذا السلوك مطلوبة لتوضيح كل التفاصيل المتعلقة به.
وبينت بعض الدراسات (* 2007) أن نسبته في المجتمع الأمريكي حوالي 5% من الناس، وأن 80% من الحالات هي عند المرأة. وأن متوسط العمر عند ظهوره هو سن 30 عاماً.
وأكثر الأشياء شراءً هي: الثياب، الأحذية، الأقراص مدمجة CD، الحلي،مواد التجميل، أغراض منزلية. وعند الرجال الإلكترونيات، والأدوات (Hardware) ، إضافة للثياب والأحذية والأقراص المدمجة.
وهو يترافق مع اضطرابات الشخصية الوسواسية، والشخصية القلقة، والحدودية، والنرجسية. ولا يوجد شخصية محددة مستقلة للتسوق الاندفاعي.
ويمكن لمضادات الاكتئاب الحديثة من فئة حاصرات السيروتينين SSRIs أن تفيد في العلاج إضافة للعلاج المعرفي والسلوكي والنفسي.
وأخيراً .. لا بد من القول ان الحالات المرضية النفسية يمكن أن تكون موجودة وهي تحتاج للمزيد من البحث والدراسة والعلاج .. وأن الاكتئاب يحتاج للعلاج الصحيح بعيداً عن وصايا الاستهلاك والشراء .. ولا بد من تحسين ظروف المرأة وتعديلها بما يدعم صحتها النفسية والسلوكية والمعرفية (وكذلك الرجل)، ولا بد من السير في طريق حل المشكلات المختلفة الزوجية والشخصية والنفسية أو التخفيف منها. ولا بد من توفير الظروف والخدمات المناسبة الطبية والنفسية والاجتماعية والأسرية، وكذلك توفير الثقافة الصحية النفسية.
وعموماً يمكن للشراء والتسوق أن يعطيك لذة فورية وسعادة وكذلك يفعل الطعام والجنس والقمار واللعب الإلكتروني .. والإفراط في أي مما سبق يمكن أن يصبح مرضاً نفسياً سلوكياً يؤدي إلى مشكلات متعددة ومعاناة .. كما أنه يرتبط بالاكتئاب .. مما يطرح أهمية علاج الاكتئاب بشكل صحيح من جهة .. وأهمية تعديل القيم والأفكار الشائعة والسلوكيات المعاصرة المرتبطة بها من جهة أخرى.
المرجع:
*A review of compulsive buying disorder: DONALD W BLACK,World Psychiatry. 2007 Feb; 6(1): 14–18. https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC1805733/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق