خواطر شخصية: التشجيع يصنع المعجزات!
د. حسان المالح
في المرحلة الابتدائية كنت أحصل على تشجيع المدرسين بشكل لفظي ومن خلال منحي بطاقة "مرحى" أو بطاقة "امتياز" تقديراً لتفوقي في المواد الدراسية.
وكنت أفرح بها ويضعها والدي في مكان ظاهر في غرفة الجلوس. إضافة لكلمات الثناء والتقدير الجميلة التي يكتبها أستاذ الصف مع الجلاء المدرسي في مكان خاص للملاحظات جانب العلامات التي حصلت عليها، مثل "ثابر على اجتهادك أتوقع لك مستقبلاً زاهراً وفقك الله". وكان والدي حريصاً على كتابة كلمات الشكر للمدرسة في المكان المخصص لولي الطالب. ولا زلت أحتفظ بعدد من هذه الأوراق في درج الذكريات.
وفي المرحلة الإعدادية تم تكريمي مع عدد من المتفوقين في كل سنة دراسية وكنت الأول على كل صفوف الصف الأول الإعدادي (وكان عددها 6) أمام اجتماع المدرسة الصباحي لكل المدرسة بما فيها القسم الثانوي في مدرسة (الثقفي) وقدم لي المدير يومها هدية تقديرية وهي كتاب البخلاء للجاحظ.
وطبعاً فرحت بالكتاب وقرأته من الغلاف إلى الغلاف دون ملل.
وفي شهادة الصف التاسع (الكفاءة) كنا قد انتقلنا إلى مدرسة حديثة التأسيس وكان فيها 7 صفوف للصف التاسع. وكنت الأول على المدرسة ومن العشرة الأوائل على سورية وتم نشر ذلك في الجريدة.
وقد فرح مدير المدير بنشر اسم مدرسته الحديثة (أبو رمانة المحدثة) وطلبني إلى مكتبه بحضور عدد من أساتذتي وهنأني وأثنى علي لأنني رفعت اسم المدرسة عالياً وأهداني حقيبة جلدية مدرسية جميلة. واعتذر على هديته المتواضعة بسبب إمكانيات المدرسة المتواضعة.
طبعاً فرحت بها كثيراً وكان لونها مميزاً وكنت استعملها في العام الدراسي التالي إلى أن تلفت.
وأذكر في المدرسة الثانوية أن أحد الأساتذة الشهيرين طلب مني تقديم تلخيص لكتاب صعب ومعقد أمام مجموعة من الطلبة. وقد بذلت جهدي وقدمت التلخيص وأعجب به الجميع وكالوا لي الثناء لأنهم لم يفهموه سابقاً أبداً.
أما الأستاذ فقد علق على ذلك بأن الكتاب سهل مع نصف ابتسامة وسط استغراب الزملاء. وقد امتعضت حينها وسكتت.
وفيما بعد عاتبته على تعليقه وبرر نفسه بشكل غير مقنع أنه يخشى علي أن أصاب بالغرور إذا امتدحني كثيراَ!
وفي شهادة البكالوريا حصلت نتيجة تفوقي على كتاب ثمين تراثي من مجلدين من نفس الأستاذ الذي يخشى الغرور.
ويبدو أن فكرة التشجيع يصنع الغرور تفهم بطريقة مغلوطة وغير مناسبة.. والتشجيع المفرط على كل أنواع السلوك هو المشكلة لأنه يساهم في نشوء الشخصية النرجسية والغرور المزيف. بينما تشجيع السلوك الناجح يساهم في استمرار ذلك السلوك ويعزز الثقة بالنفس.
ويبدو لي أن جيلنا من الطبقة الوسطى لم يتلق إلا قليلاً من التشجيع والمكافآت مقارنة مع جيل أبنائنا والجيل الحالي. وعلى الرغم من ذلك فإن الدأب ودافع الإنجاز والطموح العلمي والعملي كان أساسياً في ثقافتنا التربوية المنزلية والمدرسية والاجتماعية.
ومن المؤكد أن الدافع إلى الإنجاز والطموح والمثابرة كل ذلك له أسباب ذاتية وراثية ونفسية وفردية، ولكن تأتي العوامل التربوية والاجتماعية لتوسع من ذلك لدى مجموعة أكبر من الأفراد.
وفي سيرة حياة كثير من المبدعين والناجحين إحباطات تربوية ومدرسية واجتماعية ومع ذلك سار هؤلاء في طريق المثابرة والإبداع.
وتشجع الثقافة الحديثة المعاصرة الفرد وتسعى نحو تنمية إمكانياته وتشجيعه ومكافأته معنوياً ومادياً واجتماعياً.
وتؤكد الأساليب التربوية الحديثة على تنمية المهارات وتنمية الإبداع وتشجيع المتفوقين والموهوبين.
ولا بد من تشجيع الآخرين باستمرار في مختلف المجالات، وأنا أشجع مختلف الحالات المرضية النفسية ولا سيما حالات ضعف الثقة بالنفس وأفكار التشاؤم والسلبية.
ولا بد من تشجيع الأبناء والطلبة والعاملين والناجحين والمتفوقين في مختلف المجالات (وليس فقط للمغنين والممثلين والرياضيين)، وتكريم إبداعاتهم وعطاءاتهم (ليس بعد موتهم) بل خلال الحياة اليومية والمهنية. وهذا يسمى ثقافة التشجيع والمكافأة.. لأن التشجيع يمكن له أن يصنع المعجزات.
دمشق 18/3/2021