وراء كل رجل عظيم امرأة.. تقول له لست عظيماً؟؟
د. حسان المالح
مقولة فكاهية ظريفة وتهكمية عن دور المرأة السلبي في نجاح الرجل وعظمته.. وقائلها غير معروف. وربما من أطلقها كان يعاني من المرأة وسلوكياتها المحبطة.
وهذه المقولة ترد على المقولة الشائعة التي تنسب إلى نابليون بونابرت "وراء كل رجل عظيم امرأة"، بمعنى أنها ساندته وساعدته في بلوغ عظمته، وأن لها الفضل في ذلك.
وهناك مقولة ثالثة حول الموضوع تقول "وراء كل عظيم.. نفسه"، أي أنه صنع نفسه بنفسه.
ويبدو لي أن المقولات الثلاث صحيحة جزئياً، وكل منها تنطبق على بعض الأشخاص، والتعميم دائماً خطأ.
ويستحق الموضوع الوقوف عنده لأن له أبعاداً نفسية واجتماعية هامة.
وعملياً يستخدم مفهوم النجاح والبطولة والإبداع في الدراسات التربوية والنفسية. ومفهوم العظمة مشابه للنجاح المتميز والإبداع والعبقرية.
وعندما تساهم المرأة في نجاح الرجل وإبداعه من خلال تحطيمه والتقليل من شأنه وقدراته، فإن ذلك يرتبط بعقدة الخصاء التي تحدثت عنها مدرسة التحليل النفسي الفرويدي والتي تعني الخوف من بتر العضو الجنسي (أو الخصيتين) بالمعنى الرمزي، حيث يهدد الأب ابنه (أو الأم ابنها) بخصائه وذلك للسيطرة عليه وضبطه، ويبقى في خيال الطفل القوة الخارقة المخيفة للأب أو الأم وهو يحمل ذلك الخوف بداخله، كما يسعى للتخفف منه من خلال استقلاله والبحث عن قوته الشخصية.
وعندما تكون الأم متسلطة قوية تتحكم بابنها وتقلل من قدراته ونجاحاته وأهميته فإن قلق الخصاء يتثبت ويستمر في مراحل حياته المختلفة.
وفي مرحلة الرشد نجد كثيراً من الأزواج في العصر الحديث يعيشون حياة تنافسية فيما بينهما. حيث تنافس الزوجة زوجها باستمرار وتسعى للتفوق عليه كما أنها تقلل من أهميته وإنجازاته.
ومن المؤكد أن بعض العظماء (وليس كلهم)، كان في سيرتهم أماً متسلطة أو زوجة منافسة شرسة.
وهؤلاء كانوا يسعون من خلال تركيبتهم النفسية الخاصة إلى امتلاك المهارات وأسباب القوة والنجاح ويسعون نحو الإنجاز والعظمة.
وفي الجانب المقابل من المؤكد أن هناك رجال عظماء كان ورائهم نساء ساعدنهم بأشكال متنوعة لبلوغ النجاح والتميز والعظمة. وقد يفرح ذلك بعض النساء بأن لهن دوراً عظيماً ولكن يبقى الرجل في هذه الحالة في الأمام وهي في الوراء.
وفي الجانب الثالث هناك عظماء بنوا أنفسهم بأنفسهم دون عون واضح من المرأة.
وفي دراسة الإبداع يبدو أن كثيراً من المبدعين لديهم اضطراب المزاج ثنائي القطب بدرجاته المختلفة (نابليون بونابرت يرجح أنه كان يعاني من اضطراب المزاج ثنائي القطب)، ونسبة أقل لديهم فصام. كما أن استعمال الكحول يرتبط بالإبداع وكذلك عدد من المواد الادمانية الأخرى.
وتفيد الدراسات أيضاً بأنه من الممكن تنمية الإبداع من خلال التشجيع وتوفير المواد التعليمية والعملية اللازمة، إضافة لتنمية التفكير النقدي والإبداعي والتفكير خارج الصندوق والقوالب الجامدة.
ولا بد من الإشارة إلى الدراسات المرتبطة بالذكاء واختلافات الرجل والمرأة في ذلك. وتدل النتائج أن معدلات الذكاء المتوسطة تتوزع بشكل مشابه بين الذكور والإناث، بينما يزداد عدد الذكور في معدلات الذكاء المنخفضة. ولكن في معدلات الذكاء العالية جداً (أكثر من 130) يزداد عدد الذكور.
ولكن الإبداع لا يرتبط بالذكاء العالي جداً بل يرتبط إحصائياً بالذكاء بشكل متوسط، على عكس الفكرة الشائعة أن المبدعين يجب أن يكون ذكاؤهم مرتفعاً جداً.
ومن ناحية أخرى هناك نساء مبدعات وعظيمات وربما يكون للرجل دور في عظمة بعضهن، وربما يكون لسلوك الرجل القمعي والقهري دور معاكس في تحفيز الإبداع عند بعض النساء. كما أن بعضهن اعتمدن على أنفسهن ووصلن إلى النجاح والتميز دون عون واضح.
ولا بد من التأكيد في عصرنا الحديث ضرورة التربية المتوازنة لنمو الطفل (ذكراً كان أو أنثى) والتي تشجع الطفل وتنمي مهاراته وقدراته وتهيؤ له الظروف المناسبة والوسائل المناسبة لتحقيق ذاته، بدلاُ عن أساليب القمع والترهيب والتسلط وتحطيم المعنويات.
كما أن العلاقة المتوازنة بين الرجل والمرأة تحتاج إلى تعاون الطرفين وتشجيع قدراتهما.
ولا بد من تعديل التركيبة الاجتماعية والقيم السلبية التي تؤكد على التخلف والقهر. ولا بد من التأكيد على التعاون بين الرجل والمرأة وعلى المساواة وتحقيق الذات بعيداً عن الظلم والإيذاء.. وكل ذلك يمكن أن ينتج مبدعين وناجحين ومتميزين من الجنسين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق