"في بعض حالات الحب .. ستظل تسامح من تحب إلى أن تكرهه"
د. حسان المالح
مقولة مفيدة وعميقة .. وهي على الأغلب مترجمة .. والكاتب غير محدد ضمن فوضى الانترنت وضعف التوثيق في حالات الأقوال .. والمهم المضمون وهو جميل ومفيد.
والتسامح والمسامحة قيمة خلقية عليا ويغذيها الحب .. ولكن عندما تصل الأمور والسلوكيات غير المقبولة في تكرارها إلى درجة معينة، فإن مشاعر الكره تظهر وتزداد. وهذا طبيعي وعادي ويدل على أن طاقة الاحتمال قد نفدت. ويحدث ذلك في العلاقات الزوجية والعاطفية، وبين الأهل والأقارب والأصدقاء. وكما يقال فإن "للصبر حدود ياحبيبي". وأيضاً "لا تكثر على أبيك وأمك .. فيكرهوك". "إني أكرهك يامن كنت حبيبي".
ومن الشائع في ثقافتنا وغيرها أن الحب دائم ولا يزول ولا يتعدل .. ولا يتحول إلى الكره .. وهذا من المبالغات غير الواقعية التي يغذيها الأدب والأغنيات وغيرها من مفاهيم رومانسية خيالية وغير واقعية.
وفي علم النفس الحب والانجذاب والتقدير ويترافق مع إعلاء المحبوب ورفعه إلى أعلى الدرجات وتضخيم صورته والمبالغة في ذلك. وعكس الحب هو الكره والنفور والابتعاد والتحقير. ويتعلم الطفل من صغره مثل هذه المفاهيم التي ترتبط بتلبية حاجاته وتشجيعه وتقدير مهاراته المتزايدة مع النمو. وتقديم العون له وعناقه وتقبيله وغير ذلك. كما يتعلم الطفل أن هناك ممنوعات وسلوكيات خاطئة عليه أن يتجنبها .. وهنا يظهر الجانب الآخر من الحب والعطاء .. جانب المنع والغضب والانزعاج من المربي الأب أو الأم أو كليهما. وتتكون الصورة وتتكامل تدريجياً حول وجود الحب والعطاء والرعاية والتسامح .. مع الرفض والمنع والابتعاد والغضب والعقاب.
وطبعا تختلف أساليب التربية في شدتها وفي تساهلها وفي دلالها للطفل. وينشأ الضمير أو الأنا الأعلى والقيم التي توجه السلوك. وبعض الأطفال مدللين ومقبولين مهما عملوا من أخطاء. وعادة يكون ضميرهم ضعيفاً وقد لا يميزون بين الخطأ والصواب. وبعضهم الآخر تعرض لقسوة وشدة وتربية صارمة أو نبذ ورفض وإيذاء. وعندها يتشكل ضميرهم بشكل قلق ومتناقض ينقصه الحب. وبعضهم الآخر لديه درجات بين هذين الحدين المتطرفين سلبياً أو إيجابياً.
وفي الحياة الواقعية والعملية لا يوجد حب مطلق .. إنما مزيج ودرجات من الحب والكره. وبالطبع كي تنجح أية علاقة لا بد من أن تكون الانفعالات الإيجابية كالحب والتسامح والعطاء والرعاية تغلب نقيضها السلبي.
وهكذا يمكن للحب أن يتحول إلى كره تدريجياً من خلال السلوكيات غير المقبولة والمزعجة والعدائية من قبل المحبوب. وعادة عندما يحدث ذلك ينسحب الطرف الثاني ويبتعد. وتنتهي العلاقة. أو تستمر المشكلات والغضب والنقد والحرد والابتعاد والصمت وغير ذلك. وربما يستمر ذلك فترة طويلة تجعل العلاقة غير مستقرة وقلقة وقابلة للانفجار. وربما تنتهي العلاقة بعنف شديد وإيذاء ومحاكم في حالات أخرى.
والمقولة المذكورة أعلاه مفيدة وهامة وتؤكد على المسؤولية الفردية في ضرورة رعاية علاقته وتعديل سلوكياته والانتباه والاهتمام بشريكه بما هو مناسب وإيجابي .. وإلا فإن النتيجة سلبية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق