الاضطراب النفسي ليس "زياً موحداً" يلبسه
المريض:
د. حسان المالح
الاضطراب النفسي لا يشبه الزي الموحد الذي يلبسه شخص ما،
ويمكنك أن تعرفه بمجرد النظر إليه من بعيد .. كما تتعرف على شرطي او طبيب أو عامل
نظافة او غيره، بمجرد النظر إليه وإلى زيه الذي يرتديه.
ولذلك نجد تنوعاً واضحاً في سلوك وسيرة حياة الأشخاص
المصابين باضطراب نفسي معين.
ويختلف الطب النفسي عن فروع الطب الأخرى في ذلك .. وهو
ليس كطب الأمراض الجلدية التي يمكن أن يتم تشخيصها بمجرد النظر إليها أو فحص الآفة
الجلدية بعدسة مكبرة. ولا بد من الفحص النفسي الذي يتناول تفاصيل كثيرة ومعلومات عن
حياة المريض وعن سلوكه وصفات أعراضه التي يشكو منها، وغير ذلك.
وتختلف تفاصيل حياة كل مريض عن غيره .. لأن لكل مريض
تكوينه الجسدي والعضوي والوراثي، ولكل مريض ظروفه الشخصية والبيئية والمادية
والثقافية .. وهكذا ليست قصص المرضى باضطراب نفسي معين واحدة أو متشابهة .. إلا
قليلاً.
ومثلاً الاشخاص المصابون باضطراب المزاج ثنائي القطب نجد
منهم المبدعين والمتفوقين في مختلف المجالات العلمية والفنية والأدبية والاجتماعية
.. ومنهم أشخاص عاديون موظفون أو حرفيون أو عمال أو طلبة، ومنهم من يترافق مرضهم
مع إدمان الكحول أو غيره من المواد الإدمانية .. ومنهم المتدينون والمصلحون، ومنهم
غير ذلك.
ومن المناسب ان نقول إننا نعالج أشخاصاً مصابين بمرض
معين .. ولا نعالج المرض بذاته .. ويعني ذلك أن علاج المريض الفرد ليس موحداً ولا
بد له ان بتناسب مع فردية المريض وتفاصيل حياته الخاصة .. والوصفة ليست واحدة
للجميع. ولا بد من "تفصيل العلاج ليناسب مقاس المريض".
ومن الضروري أن نقول أن الشخص مصاب بمرض كذا ولا ننعت
الشخص باسم مرضه .. أي أن لا نقول أنه فصامي أو وسواسي أو اكتئابي .. بل لديه "حالة"
فصام أو وسواس أو اكتئاب.
وبالطبع فإن تطور الطب النفسي في ميدان التشخيص اعتمد
على وصف جملة الأعراض ومدتها فيما يسمى تناذر أو متلازمة مما يساعد على تصنيف
الحالات النفسية بشكل أفضل ويساهم بالتالي في التعرف على أسبابها وعلاجاتها.
والممارسة العملية والعلمية الناجحة تقتضي تقديم العلاج
والعون للأشخاص المصابين بمتلازمة مرضية أو اضطراب نفسي محدد وفقاً لأحدث
المعلومات عن هذه الاضطرابات .. وهذه الاضطرابات ليست بالطبع جراثيم محددة في
استجاباتها لمضادات الالتهاب .. بل هي جملة من الأعراض المرضية التي تتداخل مع
تكوين الشخص المصاب الجسدي والنفسي والاجتماعي والثقافي. مما يستدعي التعامل مع
الشخص نفسه بشكل متكامل.
ومن المعروف أيضاً أن إهمال التفاصيل الشخصية
والاجتماعية في علاج الأمراض الجسدية المتنوعة يساهم في تعقيدات العلاج الطبي أو فشله
بنسب متفاوتة .. كما أنه يمثل إساءة للمريض نفسه بسبب إهمال العوامل النفسية والشخصية
التي تتداخل مع أي علاج طبي .. ولهذا نجد مزيداً من التركيز على العوامل النفسية
والشخصية والاجتماعية في الممارسة الطبية في الدول المتقدمة، وهذا ما تفتقر له
كثيراً المارسات الطبية في دول العالم النامية وفي بلادنا.
وأخيراً .. تؤكد النطرية العضوية – النفسية – الاجتماعية
Bio-Psycho-Social Theory على أهمية العوامل
العضوية والنفسية والاجتماعية في نشوء الأمراض المتنوعة، وتداخل هذه العوامل معاً،
مع اختلاف في وزن وأهمية كل جانب في مرض معين .. وينطبق الأمر ذاته على نظرية
العلاج وضرورة شمولها لكل العوامل السابقة في رسم الخطة العلاجية المناسبة لكل
مريض.