الشخصيات "الصعبة" في الحياة اليومية:
د. حسان المالح
من الشائع الحديث عن شخصية صعبة في الحياة اليومية ..
ونجد هذه الشخصية في أوساط الأصدقاء والأهل وفي العلاقات الزوجية والعاطفية وفي
أوساط العمل.
وهناك محاولات متنوعة
لتصنيف هذه الشخصيات في علم النفس من خلال سلوكياتها المتكررة ولا يوجد تصنيف كامل
أو نهائي لها. وبالطبع كلنا لديه سلوكيات يمكن أن تكون مزعجة للآخر أو للآخرين
وبدرجات متفاوتة في الشدة، ولكن الشخصيات الصعبة لديها نسبة عالية من هذه
السلوكيات مما يستدعي إطلاق هذه التسمية عليها. وتعبير الشخصية الصعبة (Difficult)
له عدة مترادفات في اللغة العامة الشائعة .. ومنها الشخصية المزعجة، والشخصية النكدية،
والشخصية التي تسمم الأجواء (Toxic)، وغير ذلك .. وكلها تشير إلى سلوكيات محددة تؤدي إلى إزعاج الآخر
أو إحباطه أو صعوبة التفاهم معه، مما يسبب التوتر والمشكلات والخصام، وأيضاً النفور
منه أو تجنبه أو قطع العلاقة معه أو الصراع المستمر معه، أو غير ذلك.
ومن هذه الشخصيات
الصعبة الشائعة في الحياة اليومية:
1- "الشخصية
النرجسية": والتي تتميز بحب الذات المفرط والفوقية والأخذ دون العطاء وعدم
الحساسية لمشاعر الآخرين ورغباتهم .. وهي تصبح غاضبة وعنيفة ومزعجة في حال
انتقادها أو التقليل من أهميتها أو شعورها بالإيذاء (وهي من اضطرابات الشخصية
المرضية في التصنيف الأمريكي الخامس للاضطرابات النفسية 2013 التي سيتم الحديث عنها بالتفصيل فيما بعد).
2- الشخصية الكذابة:
وهي تستعمل الكذب والخداع باستمرار مما يصعب تصديقها أو الاطمئنان لها. ولديها
صفات مشتركة مع "الشخصية المرضية المضادة للمجتمع" (وهي من اضطرابات
الشخصية المرضية).
3- الشخصية المسرحية (الدرامية):
وهي تتميز بالمبالغة والإثارة وتضخيم الآلام والحزن والمخاطر. وهي تطلب تعاطفك ودعمك
ولكن لا تقبل نصائحك .. وهي تشبه "الشخصية الهيستريائية" في بعض صفاتها وهي
من اضطرابات الشخصية المرضية.
4- الشخصية الغيورة:
وتتميز بالغيرة الشديدة من الآخرين ومن امتلاكهم أشياء أو مظاهر أو صفات لا تملكها
هي .. مما يجعلها حساسة وغاضبة وشريرة وحسودة وهي تطلق الأحكام على الآخرين وتهتم
بالشائعات و"القيل والقال". وربما ترتبط في بعض الحالات مع "الشخصية
الزورية الشكاكة" وهي من اضطرابات الشخصية المرضية.
5- الشخصية الانتقادية:
وهي تأخذ موقفاً انتقادياً من كل شيء وتتأفف باستمرار ولا شيء يعجبها وهي تحاكمك
على تصرفاتك كلها .. وبالطبع تختلف تصرفاتها عن تقديم النصيحة المناسبة لأنها تهدف
للانتقاد وإطلاق الأحكام عليك.
6- الشخصية المتحكمة:
وهي تحاول التحكم والسيطرة في مختلف الأمور وتتميز بسرعة إيجادها للحلول والآراء
التي تحاول فرضها بطريقة مزعجة (وهاتين الشخصيتين الأخيرتين تشبهان في صفاتهما
الشخصية الوسواسية وهي من اضطرابات الشخصية المرضية).
7- الشخصية السلبية
العدوانية: وهي تتصف بالتأجيل والمماطلة والتسويف .. وتعبر عن غضبها وعدوانيتها
بشكل سلبي وغير مباشر أو صريح، مما يسبب الإحباط والإزعاج للآخر.
8- الشخصية المغلقة (Stonewaller):
وهي تمتنع عن الحوار والكلام عندما يكون ذلك ضرورياً، ولا تتحدث عن انفعالاتها
ومشكلاتها وتتهرب من البوح والحوار والمناقشة والانفتاح مع الآخر مما يساهم في
صعوبات التفاهم وازدياد المشكلات.
9- الشخصية المتشائمة:
التي تستنفذ طاقتك وهي تفكر بشكل سلبي ومتشائم ولديها دائماً شيئاً محزناً أو
متشائماً أو سلبياً كي تقوله (ربما ينطبق على الوصف على الاكتئاب المزمن ولا يشكل
شخصية معينة محددة).
وغير ذلك من الشخصيات ..
وهذا العرض السريع لبعض
الشخصيات الصعبة نجده في الدراسات النفسية العامة أو الدراسات الطبية النفسية التي
تتحدث إلى العامة وتحاول تقريب المفاهيم وأوصاف السلوكيات المزعجة الشائعة.
وفي التصنيف الأمريكي
الحديث للاضطرابات النفسية (الدليل الخامس 2013) تم تصنيف اضطرابات الشخصية
المرضية بشكل دقيق وعلمي إلى 10 أنواع وهي
ضمن 3 مجموعات، وهي باختصار:
- المجموعة الأولى وتضم:
1- الشخصية الزورية (الشكاكة)(Paranoid): نمط من الشك وعدم الثقة بنوايا
الآخرين الشريرة تجاه الشخص.
2- الشخصية الفصامية (Schizoid):
عزلة وانكماش في العلاقات الاجتماعية مع برود ومحدودية في التعبير الانفعالي.
3- الشخصية ذات النمط
الفصامي (Schizotypal): عدم الارتياح مع وجود الآخرين مع سلوكيات وأفكار غريبة.
وهذه الشخصيات الثلاثة
يجمعها أنها تبدو غريبة في التفكير والسلوك.
- المجموعة الثانية وتضم:
1- الشخصية المضادة للمجتمع (Antisocial): عدم الاهتمام أو الاعتداء على حقوق الآخرين.
2- الشخصية النرجسية (Narcissistic):
الشعور بالتفوق والبحث عن الإعجاب وعدم التعاطف مع الآخرين.
3- الشخصية الحدودية (Borderline):
اضطراب في العلاقات مع الآخرين وفي صورة الذات والانفعالات مع سلوك اندفاعي واضح.
4- الشخصية
الهيستريائية (Histrionic): انفعالية زائدة ولفت الانتباه.
والشخصيات الأربعة هذه
يجمعها أنها تبدو مسرحية (درامية) في انفعالاتها، وانفعالاتها مبالغ فيها أو
مضطربة.
- المجموعة الثالثة وتضم:
1- الشخصية التجنبية ((Avoidant: نمط من التجنب الاجتماعي ومشاعر الدونية وحساسية زائدة للتقييم
السلبي من الآخرين.
2– الشخصية الاعتمادية
(Dependent): نمط من الخضوع والتعلق الزائد والرغبة في أن يرعاه الآخرون.
3– الشخصية الوسواسية (Obsessional):
الولع بالنظام والاتقان والسيطرة.
والشخصيات الثلاثة هذه
يجمعها أنها تبدو قلقة أو خائفة.
وهذه الشخصيات المرضية العشرة
منتشرة بنسبة 1-2% لكل منها، ومجموعها حوالي 15% من السكان.
ولكل من هذه الشخصيات
المرضية صفات وسلوكيات مرضية تفصيلية يمكن الرجوع إليها في المراجع العلمية.
وهذا التصنيف يسمى
تصنيفاً فئوياً أو نوعياً (Categorical). ويتضمن التصنيف الخامس أيضاً تصنيفاً آخراً لاضطرابات الشخصية
يسمى تصنيفاً بعدياً أو محورياً (Dimensional)
وهو يرتكز على أن الشخصيات المرضية تختلف فقط عن الشخصيات العادية في شدتها ونسبة
وجود الصفات والسلوكيات فيها.
أي أن جميع الشخصيات
المرضية تمتلك كمية كبيرة من الصفات والسلوكيات المتطرفة مما يجعلها غير اعتيادية
أو غير طبيعية وبالتالي يمكن أن نسميها مرضية، بينما تمتلك الشخصيات الاعتيادية
عدداً قليلاً من هذه الصفات الموجودة في كل شخصية مرضية ولكن بدرجة خفيفة ومقبولة.
ويمكن لبعض هذه
الاضطرابات أن ترتبط بالاضطرابات النفسية الشائعة من النواحي الوراثية أو الأسرية
أو عند الشخص نفسه (مثل الفصام أو الاضطراب المزاجي أو القلق العام أو الوسواس
القهري وغيره)
وتجري الدراسات على
اضطرابات الشخصية هذه لتحسين تصنيفها، ولتحديد ارتباطاتها بالاضطرابات النفسية
بشكل تفصيلي، وعلاقتها ببعضها البعض .. حيث يمكن وجود أكثر من اضطراب شخصية في نفس
الشخص، وأيضاً التعرف على أسبابها والبحث في طرق وإمكانيات العلاج المناسبة لها الدوائية
والنفسية والسلوكية .. وعموماً لايزال الغموض والتعقيد والتناقض والتساؤلات يحيط بتصنيفها
هذا، وهل اضطرابات الشخصية المرضية شكل مخفف من الاضطرابات النفسية أم أنها
اضطرابات مستقلة؟ .. وغير ذلك من التساؤلات.
ولا بد من الإشارة إلى
أن هناك صفات مزعجة شائعة في اللغة العادية اليومية .. مثل العناد والجمود والبخل والسطحية
وعدم النضج وتقلب الشخصية ومزاجها وآرائها (شخصية متقلبة)، والغلاظة (ثقل الدم)
وغيرها .. وكلها تساهم في إزعاج الآخرين وتسبب صعوبات في التعامل معهم.
ومن الضروري في دراسة
الشخصية بشكل علمي تحديد صفاتها بشكل دقيق واستعمال مصطلحات واضحة يمكن قياسها
بشكل مناسب .. ولذلك تم إخراج الدليل التشخيصي الخامس الأمريكي بشكل تفصيلي فيما
يتعلق باضطرابات الشخصية المرضية.
كما تم حذف عدد من
اضطرابات الشخصية التي استعملت سابقاً في تشخيص الشخصية المرضية، والتي لا يمكن
تحديدها بشكل مناسب أو لم يتم الاتفاق على وجودها كشخصية مستقلة .. مثل الشخصية
الاكتئابية والشخصية السلبية العدوانية وغيرها.
وتم الاكتفاء
بالتشخيصات العشرة المذكورة سابقاً .. ولا يعني ذلك أن الموضوع قد حسم نهائياً في
هذا الموضوع وهناك أبحاث كثيرة تتجاوز التصنيف المذكور وتضيف إلى معلوماتنا خبرات
ونتائج مفيدة وعملية .. ويبقى موضوع الشخصية من الموضوعات المعقدة التي يصعب
تبسيطها.
وأخيراً .. من المهم التنبه
إلى الشخصيات الصعبة في الحياة اليومية، مما يوفر على الجميع جهوداً وآلاماً كثيرة
.. وفي حالات كثيرة ينصح بالابتعاد عن هذه الشخصيات لتخفيف آثارها السلبية على
الشخص نفسه الذي يتعامل معها.
وكثير من الشخصيات
الصعبة لا يعترف بمشكلته ولا يراجع الخبير النفسي لعلاجها .. وربما يلجأ المحيطون
به إلى عرضه على الاختصاصي بسبب المشكلات والأذى الذي يسببه.
والعلاج النفسي
والسلوكي والدوائي يمكن أن يفيد اضطرابات الشخصية المرضية بشكل متفاوت .. وهي
تعتبر عموماً صعبة على العلاج وتحتاج إلى جهود كبيرة لتعديل سلوكياتها وصفاتها والتعايش
معها .. ومن المطلوب دائماً تخفيف الأذى ووضع الحدود المناسبة لتخفيف الأضرار
الناتجة عن السلوك المرضي.
ومن المهم زيادة الوعي العام
المرتبط بالشخصيات الصعبة .. ويساهم ذلك في البحث عن معلومات مفيدة حول تعديل
السلوك والصفات غير المرغوبة، ويساعد على القيام بجهود مناسبة لتعديل ما يمكن
تعديله، كي يصبح الشخص أقل إزعاجاً وأكثر نجاحاً في علاقاته المتنوعة. وبالـتأكيد
فإن زيادة مهارات التواصل، وفهم الذات، وتفهم الآخر، وضبط النفس والانفعالات، كلها
ضرورات أساسية في النمو النفسي والشخصي. وهي مهارات عامة
يمكن للجميع أن يبحث عنها كي يطور من شخصيته وقدراته.
المراجع:
- DSM-5:American Psychiatric press,2013.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق