بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 27 أغسطس 2017

الشخصية في علم النفس .. وخرافة الأبراج والفلك:


الشخصية في علم النفس .. وخرافة الأبراج  والفلك:
الدكتور حسان المالح
استشاري في الطب النفسي - أستاذ في الجامعة العربية الدولية - دمشق 2322841 


من الشائع الحديث عن صفات الشخصية التي يتميز بها كل برج من الأبراج المعروفة .. وهذا نوع من التفكير الأسطوري الخيالي الذي لا يدعمه منطق أو علم .. وبعضهم يؤكد أن الأبراج الصينية دقيقة جداً، وبعضهم يقول أن صفات برجه التي قرأها تنطبق عليه تماماً أو على غيره.
ومن الناحية العلمية النفسية الأبراج  وتأثيرها في الشخصية  هي إحدى الخرافات الشائعة .. وهي تستند إلى أن الكواكب تؤثر على الإنسان عند ولادته .. في يوم معين من السنة .. حيث أن الكواكب تدور حول الأرض وكل منها له مداره الخاص في أوقات السنة المختلفة .. وواضح أن هذه النظرية أسطورية وخرافية ويوم الولادة في مكان ما على الأرض كيف يمكن له أن ينتج سلوكيات محددة طوال العمر .. وأبسط انتقاد لخرافة الكواكب هي اكتشاف كواكب جديدة في المجموعة الشمسية .. حيث كان التصنيف القديم لكواكب المجموعة الشمسية وكتب الأبراج القديمة تضم سبعة كواكب فقط، ثم تم اكتشاف كوكبين جديدين في القرن العشرين .. وحالياً تم اكتشاف اثنين آخرين.
ولا بد من الإشارة إلى أن الشخصية وتنوعها وسلوكياتها وصفاتها موضوع مثير للاهتمام وللعقل البشري .. وقد حاول الإنسان منذ القدم  تفسير شخصية الإنسان وتشابهها مع غيره أو اختلافها، بطرق عديدة منها خرافية وأسطورية لا تزال شائعة إلى يومنا هذا.
وهناك محاولات علمية بدأت مع أبوقراط الفيلسوف والطبيب اليوناني الشهير (حوالي 500 ق.م) حيث طرح نظرية الشخصية وفقاً لسوائل الجسم المسيطرة (الأخلاط) وقسم الشخصية إلى أربعة  أنماط  وهي النمط الدموي ويتميز بالتفاؤل والمرح، والنمط السوداوي ويتميز بالحزن والاكتئاب، والنمط الصفراوي ويتميز بالعصبية وتقلب المزاج، والنمط  البلغمي ويتميز بالهدوء والتبلد. وكل نمط من الأنماط السابقة يرتبط بسائل في الجسم مثل الدم، وسائل الكبد، وسائل الصفراء، وسائل البلغم.
وبالطبع كانت هذه النظرية هامة في وقتها وأدت إلى طرق علاجية متنوعة  لتعديل نمط الشخصية، مثل فصد الدم وتناول أطعمة معينة للتأثير على هذه السوائل، وغير ذلك.
وفي الوقت الحالي  من الواضح أن نظرية الأخلاط غير صحيحة وغير مناسبة وخرافية، لكنها تشير إلى الجسد البشري ومكوناته وأهميته في تكوين الشخصية والطباع.
وفي القرن العشرين طرح العالم النفسي شيلدون (حوالي 1940) نظرية الأنماط الجسمية وقسم الأشخاص إلى ثلاثة أنماط: النمط البدين ويتميز بالمرح والاجتماعية وحب الملذات الطعامية، والنمط العضلي وبنيته الجسدية متوسطة ورياضية ويتميز بالحيوية والتنافس والعدوانية، والنمط الثالث نحيف ويتميز بالانطواء والحساسية الزائدة والتفكير القلق.
وبالتاكيد فإن ملاحظات شيلدون حول نمط الجسم تنطبق على عدد من الأشخاص ولكن لا يمكن تعميمها .. وليس كل بدين مرح واجتماعي .. وليس كل نحيف انطوائي وحساس وقلق، وهكذا.
والنظريات الحديثة في علم النفس تؤكد على دراسة الصفات العامة والسلوكيات وتحاول تصنيف الشخصية ضمن أنواع رئيسية وفقاً لهذه الصفات .. وبعض التصنيفات يقسم الأشخاص إلى 16 نمط يختلف في صفاته وسلوكياته عن غيره وله صفات محددة. وهناك اختبار شخصية شهير يسمى اختبار مؤشر النمط ماير بريكز MBTI، ويضم عدداً من الأسئلة التي يجيب عليها الشخص ومن ثم يمكن تصنيفه ضمن نمط معين من الصفات والسلوك، وهو يفيد في التوجيه المهني للأشخاص ويعطي شرحاً عن صفات وسلوكيات وإمكانيات كل نمط.
وهناك اختبار الأبعاد الخمسة في الشخصية وهو يقيس الشخصية وفقاً للأبعاد الخمسة الأساسية وهي الانبساطية – الانطوائية، القبول الاجتماعي (الظرافة)، الضمير اليقظ، التوازن، الانفتاحية. وفي كل من هذه الأبعاد هناك صفات متعاكسة ومتدرجة على البعد من 0 إلى 100 ووفقاً لإجابات الشخص على أسئلة محددة يمكن تصنيفه ضمن كل بعد (أو محور) وإعطاؤه درجة معينة على كل بعد، والنتيجة أنه يمكن تحديد ملامح من صفاته وسلوكياته، وهو اختبار مفيد ودقيق ويجري تحديثه باستمرار.
وهناك نظريات عديدة حول الشخصية من النواحي النفسية ومنها نظرية فرويد والنظريات الإنسانية والنظرية المعرفية وغيرها .. ولكن نظرية الصفات والسمات لها تأثيرها العملي الواضح وهي تفتح مجالات مفيدة لدراستها بشكل علمي ومحدد.
وتدل الدراسات الحديثة على أن صفة الانطواء (تفضيل القيام بنشاطات مع الذات وليس مع الآخرين) ترتبط بالوراثة.
وبعض أنواع السلوك العدواني يرتبط بالوراثة كذلك. وهناك أمور معقدة ودقيقة في دراسات الشخصية ولا يمكن ببساطة أن نعزو صفات الشخص وسلوكياته إلى مجرد الوراثة. وتلعب التربية والتقليد والتعلم من الآخرين والتعلم الذاتي والمعرفي والتعلم الاجتماعي من خلال البيئة المحيطة والظروف الحياتية، دوراً أساسياً في تطور الشخصية وصفاتها المتنوعة.
ومن المعروف أنه "من شابه أباه فما ظلم" وهنا ربما تلعب الوراثة دوراً في عدد من صفات الأبناء وسلوكياتهم، وكذلك تلعب التربية والقدوة والنموذج المقدم من الأهل دورها أيضاً.
وفي دراسة الشخصيات المرضية التي تمتلك صفاتاً شائعة ولكنها متطرفة بدرجة يمكن تصنيفها أنها مرضية لأنها تؤدي إلى مشكلات للشخص نفسه أو للآخرين، لدينا حالياً وفقاً للدليل الأمريكي التشخيصي والإحصائي الخامس (DSM-5 2013) عشرة أنواع من الشخصيات المرضية وهي تصنف ضمن ثلاث مجموعات:
1- الشخصية الزورية (الشكاكة) - الشخصية الفصامية – الشخصية ذات النمط الفصامي: وهذه الشخصيات يجمعها مشكلات في نمط التفكير وبعض السلوكيات الغريبة، وهي ترتبط وراثياً بمرض الفصام وغيره من اضطرابات طيف الفصام الذهانية.
2- الشخصية المضادة للمجتمع – الشخصية الحدودية (الحدية) – الشخصية النرجسية – الشخصية الهيستيرية: وفيها ازدياد العدوانية والأذى ونقص الحساسية للطرف الآخر والبحث عن اللذة والأنانية والتلاعب والكذب وغير ذلك ..
3- الشخصية التجنبية القلقة – الشخصية الاعتمادية – الشخصية الوسواسية: وفيها قلق زائد ونقص في مهارات التحكم بالقلق وتهدئة الذات وسلوكيات تكرارية.
ويمكن أن تقدم الدراسات حول هذه الشخصيات المرضية معلومات هامة حول تطور الشخصية وحول علاجاتها أيضاً. وهناك اختلافات عديدة في نتائج الدراسات حول نقاط محددة، وهذا التصنيف لا يزال قائماً ولا يوجد من الدراسات الحالية ما يبرر تغييره أو إلغاؤه أو تعديله .. وربما يحدث ذلك في مرحلة قادمة في المستقبل.
وأخيراً وببساطة .. فإن الشخصيات الاعتيادية والشخصيات المرضية تنشاً من خلال عوامل عديدة .. ومنها الوراثة والتربية والتعلم والبيئة .. وكل ذلك تجري دراسته بشكل علمي .. ومن الممكن تعديل بعض صفات الشخصية وسلوكياتها .. وليس ذلك أمراً سهلاً أو يسيراً .. ولكنه مطلوب باستمرار من خلال اكتساب مهارات جديدة في الشخصية، وتعديل بعض سلوكياتها وردود أفعالها المتطرفة، وإغنائها، وعلاجها أيضاً.
وليست الشخصية ناتجة عن تأثير الكواكب والأبراج الفلكية وتاريخ الميلاد .. وهكذا علم الشخصية في العلوم النفسية.
دمشق 27/8/2017
المراجع:

1-  حياتنا النفسية، دليلك إلى الثقافة النفسية الشاملة. إعداد وتأليف د. حسان المالح وآخرين - دار الفكر دمشق- 2006.
2- مقدمة في علم النفس (كتاب جامعي) - منشورات الجامعة العربية الدولية - دمشق – سورية - 2017 (قيد الطباعة).
3- DSM5, American psychiatric association press, 2013.

هناك تعليقان (2):