بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 17 يوليو 2018

الحديث عن ذكريات الماضي السعيدة وعلاج الاكتئاب:

الحديث عن ذكريات الماضي السعيدة وعلاج الاكتئاب:
 د. حسان المالح
 

لوحة  للفنان البريطاني  مارك شيكي Mark Sheeky

إن تذكر الأحداث الجميلة واللطيفة التي عاشها الشخص تساهم في تحسين المزاج وتخفيف الاكتئاب ((Reminiscence Therapy. وذلك من خلال زيادة الثقة بالنفس وتنشيط التفكير الإيجابي وإثارة الانفعالات الجميلة والسعيدة التي يحدثها هذا التذكر.
وتستعمل هذه الطريقة في علاج المرضى الأكبر سناً عادة وفي حالات الخرف المتنوعة. حيث تساهم في تثبيت الذكريات والتخفيف من نقص الذاكرة وتدهورها.
ويتم تطبيق هذه الطريقة العلاجية بشكل جماعي أو بشكل فردي .. وتستعمل الذكريات المكتوبة والصور القديمة التي يحتفظ بها الشخص لإثارة الذكريات الجميلة، إضافة إلى السرد اللفظي. ويجري تحفيز التذكر من خلال إثارة بعض التفاصيل والتعليقات من المعالج.
وهناك دراسات عديدة محكمة تؤكد فائدة مثل تلك الأساليب العلاجية.
ولا بد من الإشارة إلى أن الالتقاء بصديق قديم أو قريب في الحياة اليومية وإثارة ذكريات جميلة قديمة له تأثير واضح ومفيد على تحسين المزاج عند كثير من الأشخاص العاديين وفي مختلف المراجل العمرية.
وكثيراً ما نسعد بلقاء معين بعد الحديث عن ذكريات جميلة قديمة. كما أن ذلك يساهم في توطيد العلاقة مع الآخر وفي قضاء وقت ممتع وجميل للجميع.
ومن المعروف أن كثيراً من أنواع العلاج النفسي الكلامي تقوم على استعادة ذكريات وأحداث مؤلمة والتعبير عنها بعدة أساليب .. وأن الحديث عن تلك الذكريات والجروح المؤلمة يمكن أن يساعد الشخص في التخلص من آلامه ومعاناته .. من خلال آلية التفريغ الانفعالي والحديث عما يثقل الكاهل والصدر (فشة الخلق)، ومن خلال إزالة الحساسية الزائدة والتعود الذي يقلل من الثقل الانفعالي السلبي لهذه الجروح، وأيضاً من خلال إعادة  النظر وتكوين أفكار جديدة مناسبة لفهم تلك الأحداث، وزيادة التفكير الإيجابي عموماً في النظر إلى الأحداث، والذي يتلو التعبير والتفريغ الانفعالي.
ومن المؤكد أن تذكر الأحداث المؤلمة والجروح النفسية المختلفة والحديث عنها في علاقة علاجية له نتائج مفيدة .. وكذلك يفيد هذه التذكر في تحسين الحالة المزاجية والتخلص من بعض التوتر والألم في العلاقات العادية بين الأهل والأصدقاء وغيرهم.
وفي الجانب الآخر من المهم التأكيد على أن الحديث عن الفرح والنجاحات والذكريات السعيدة المتنوعة له نتائج علاجية ثابتة عندما يتم ضمن علاقة علاجية، وأيضاً عندما يحدث في العلاقات الاعتيادية اليومية بين الأصدقاء والأقارب وغيرهم.
وقد عرف الناس هذه الحقائق النفسية منذ وقت طويل .. وبعضهم يلجأ إلى الماضي السعيد وأمجاده ليستمد منه الثقة بالنفس والكرامة في مواجهة واقع متخلف أو تعيس أو مظلم .. وبالطبع من الممكن تحريف هذا الماضي كثيراً أو قليلاً بما يرضي الشخص ورغباته .. وبعضهم الآخر تطرف في ذلك وصار يعيش في الماضي على حساب الحاضر والواقع .. ولا بد من التأكيد على أن الإحباط والصعوبات الحاضرة والواقعية تدفع بالإنسان نحو تمجيد الماضي السعيد وتضخيم أهميته، أو العيش فيه بعيداً عن الواقع الراهن .. وفي الحالين اضطراب واضح وردود فعل غير مناسبة.
ومن المؤكد أن الحنين إلى الماضي شعور طبيعي واعتيادي وهو يساهم في تماسك الذات وفي تكوين صورتها .. وتحتفل كل الشعوب بتاريخها وتراثها وحكاياتها .. وتقدر أبطالها وتصنع لهم التماثيل وتبني المتاحف المتنوعة حفاظاً على الذكرى والإرث والامتداد البشري عبر الأزمنة.
وأخيراً .. وعلى المستوى الشخصي يمكننا القول .. تحدث عن ذكرياتك الجميلة وأوقاتك السعيدة السابقة أحياناً أو مرات عديدة .. ولكن لا تأخذ كل حقائبك إلى الماضي.
" في الذكرى حياة.. قاوم موتك بذكرياتك"، وأيضاً "ذكرياتك الجميلة تجعلك تعيش مرتين.. أو أكثر".
دمشق 17/7/2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق