بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 30 سبتمبر 2016

الإثارة الجنسية الذاتية "العادة السرية" من النواحي النفسية:

 الإثارة الجنسية الذاتية "العادة السرية" من النواحي النفسية:
الدكتور حسان المالح - استشاري الطب النفسي - دمشق- أستاذ محاضر في الجامعة العربية الدولية (الأوربية) 


مقدمة عامة:
مما لاشك فيه أن الأمور الجنسية في مجتمعاتنا تحاط بالسرية والكتمان ، ويجري الحديث عنها بلغة غامضة وتعبيرات غير مباشرة .. كما أنها ترتبط بالجهل والخرافة ونقص المعلومات .. وهذا جزء من تخلف الوعي الصحي العام وتخلف الوعي الجنسي بشكل خاص.
وتعتبر المعلومات الطبية الجنسية الصحيحة ضرورية كي يعرف الإنسان نفسه ذكراً كان أم أنثى .. والأعضاء الجنسية جزء من تكوين الجسم الإنساني وهي تشبه باقي أعضائه في وظائفها الطبيعية وفي أمراضها المتنوعة.
والمعلومات الطبية والعلمية الصحيحة تساهم في معرفة الإنسان لنفسه ومكوناتها ورغباتها وبالتالي يسهل ذلك فهمها والسيطرة عليها والعمل على ضبطها ، ولاسيما في ظروف تربوية وأخلاقية ودينية مناسبة.
وكثيراً ماتواجه القضايا الجنسية في مختلف المناسبات العامة والاجتماعية والعلمية وحتى الطبية .. بستار ثقيل من الصمت أو الإحراج أو الجهل أو التجاهل .. أو بمزيج من ذلك جميعاً.
ومما لاشك فيه أن درجة من الحرج والقلق قد تكون مصاحبة لعملية التثقيف الجنسي الصحي وهذا طبيعي ومقبول نظراً لحساسية الموضوع ودقته واحتمال سوء فهمه من الآخرين ، ولكن يستدعي ذلك مواجهة الموضوع بنضج ومسؤولية وثقافة علمية صحيحة دون الهروب منه أو إغفاله .. وأيضاً يستدعي البحث عن اللغة المناسبة والمعلومة المناسبة والمكان المناسب والظرف المناسب دون إفراط أو تفريط .
كل ذلك يمكن أن ينعكس إيجابياً على الصحة النفسية والجنسية وعلى التخفيف من مشكلات كثيرة يساهم فيها الجهل والمعلومات الجنسية الخاطئة.
وتبين الدراسات الخاصة بالاضطرابات الجنسية نفسية المنشأ أن علاج هذه الاضطرابات يعتمد في جزء كبير منه على التثقيف الجنسي وإعطاء معلومات طبية وعلمية حول الوظائف الجنسية الطبيعية للإنسان ، وأيضاً على تعديل أفكار المريض عن مفهوم الأداء الجنسي وعن عدد من الأساطير الشائعة المرتبطة بالجنس وذلك بشكل جلسات علاجية تثقيفية حيث تساهم هذه المعلومات بتخفيف القلق الجنسي والشعور بعدم الاطمئنان أثناء العمل الجنسي .
تعريف:
تعرف العادة السرية أو "الإثارة الجنسية الذاتية" من الناحية الطبية على أنها " إثارة ذاتية للجسم من خلال مداعبة المناطق الحساسة جنسياً ولاسيما الأعضاء الجنسية ، مما يؤدي إلى ازدياد الإثارة تدريجياً ثم الوصول إلى قمة النشوة أو الرعشة الجنسية ، ويصاحب ذلك عادة خيالات ذاتية جنسية متنوعة ثم متعة جسدية ولذة " . وتتم الإثارة الذاتية عادة من خلال الاحتكاك باليد أو بالسرير أو بالوسادة وغير ذلك.
ويمكن لها أن تبدأ منذ سن مبكرة أثناء الطفولة ، ويمكن للطفل أن يكتشفها صدفة من خلال مداعبة الأعضاء الجنسية حيث تترافق هذه المداعبات مع مشاعر لذيذة مما يؤدي إلى تكرارها .. وهي تزداد عادة في فترة المراهقة بسبب النضج الجنسي الطبيعي وازدياد مستوى الهرمونات الجنسية بشكل واضح.
وأما الاحتلام الليلي أو الأحلام الجنسية أثناء النوم فهي نوع من الحلم الجنسي الذي يترافق مع النشوة الجنسية ويصحو الإنسان وهو يتذكر شيئاً من هذا الحلم الجنسي أو لايتذكره .
وتعتبر الإثارة الجنسية الذاتية "العادة السرية" من النواحي الطبية وفي مختلف الدراسات الجنسية والنفسية ظاهرة طبيعية وليست مرضاً .. وكذلك الاحتلام الليلي . وهي ظاهرة اعتيادية واسعة الانتشار في جميع المجتمعات . وهي تدل على ازدياد الإثارة الجنسية الفيزيولوجية والتي تحتاج للتفريغ ، ويتم ذلك عادة بشكل شخصي وذاتي وسري ، وهي أقل ضرراً من النواحي الاجتماعية والأخلاقية من السلوكيات الجنسية الأخرى.
وهناك كثير من الأوهام المرتبطة بالعادة السرية في أذهان العامة وفي أذهان الشباب والشابات في سن المراهقة ومابعدها ..ومنها أنها تؤدي إلى ضعف النظر والعمى والعقم والجنون وغير ذلك .. وبعضهم يعتبرها مرضاً نفسياً يحتاج إلى العلاج ويطلب استشارة الأطباء للتوقف عنها نهائياً ..
وبعض المتعلمين والمربين لايتورع عن إسداء النصائح والإرشادات المتنوعة للتخلص من هذا الداء .. دون علم أو دراسة طبية وهم يتناقلون أفكاراً وآراءً متوارثة خاطئة لايوافق عليها العلم والطب ولايمكن تطبيقها عملياً ..وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً.
وبالنسبة للمشكلات المرتبطة بالإثارة الجنسية الذاتية فهي متنوعة.. وأكثرها شيوعاً:
1- "اعتبارها مرضاً يجب التخلص منه وأنها خطيئة أخلاقية كبيرة تعادل الزنا" .. مما يجعل الشاب أو الشابة عرضة لصراعات نفسية وقلق مستمر ، وبعضهم يعتبر نفسه مريضاً أو غير أخلاقي وأنه خرج عن إطار القيم المقبولة وهو يؤنب نفسه يومياً ويوبخها بأبشع اللعنات ويصفها بأبشع الصفات .. مما ينعكس على ثقته بنفسه وتقديره لذاته ويهيؤه فيما بعد لحالات اكتئابية أو خجل ، وفي الجانب الآخر يمكن لذلك أن يساهم في اتخاذه لسلوكيات جنسية منحرفة وغير مقبولة اجتماعياً أو أخلاقياً في المستقبل .
وبعضهم يتأثر ببعض الأفكار الشائعة الخاطئة عن أضرار العادة السرية مثل أنها " تؤدي إلى النسيان ونقص التركيز وضعف الجسم والهزال " مما يجعله متوتراً وقلقاً ويجعل ثقته بنفسه وقدراته ضعيفة وسلبية ويزيد في مشاعر النقص التي يحملها عن نفسه مما يؤثر على أدائه الدراسي أو العملي أو الاجتماعي.
كما يسعى بعضهم الآخر إلى التوقف عن ممارسة العادة السرية لفترات تطول أو تقصر وبعد أن يقع فيها مرة إضافية تنهار ثقته بنفسه وتتثبت أفكاره الخاطئة عن نفسه وأنه ضعيف وغير قادر على ضبط شهواته . ومنهم من يحاول الابتعاد عن الأمور الجنسية وعن أية خيالات ترتبط بها ويتخذ قرارات متسرعة سلبية حول مستقبله الجنسي وحول زواجه .
وعندما يعرف الشاب أو الفتاة أن مايجري له أو لها هو سلوك طبيعي وليس مرضياً ، فإن ذلك يساعده على تعديل نظرته عن نفسه ويجعله يقبل نفسه ولايحملها ما لاطاقة لها به .. كما أن ذلك يوفر له طاقات نفسية وعقلية جديدة كان يستهلكها في صراعه مع ذاته دون جدوى .
2- "الإكثار من العادة السرية" وممارستها عدة مرات في اليوم الواحد .. ويدل ذلك عادة على التوتر والقلق وعلى درجة من الإحباط وتعكر المزاج . حيث تقوم اللذة الجنسية هنا بدور علاج لهذه الحالات المزاجية السلبية من خلال اللذة المؤقتة .
ومن المفهوم أن اللذة الجنسية يمكن لها أن تعدل المزاج وتحسنه وهذا معروف في كل المجتمعات حيث تزيد الممارسات الجنسية بين الأزواج في أوقات الشدة والضغوط والأزمات الاجتماعية والمهنية والحياتية المتنوعة .. ولكنها في حالات الشباب والمراهقين يمكن لها أن تؤدي إلى نقص المهارات في التعامل مع الحالات المزاجية السلبية ، وإلى نقص في تطوير القدرات الذاتية والاجتماعية وإلى الانكفاء على النفس والعزلة .. ومن المطلوب هنا تنمية المهارات المختلفة ، وزيادة القدرات الاجتماعية، وأيضاً التعرف على كيفية التعامل مع حالات الإحباط والتوتر والتخفيف منها بعدة وسائل ناجحة وناضجة وإيجابية وليس فقط عن طريق الإثارة الجنسية الذاتية .
وفي عدد من الحالات الاكتئابية أو القلق العام والتي تصيب الشباب وتترافق مع الإكثار من العادة السرية ، نجد إنها تحتاج للعلاج الطبي النفسي والدوائي والذي يهدف إلى السيطرة على القلق أو الاكتئاب أو التخفيف من أعراضهما .
3- "الخيالات الجنسية المنحرفة" والتي يمكن لها أن ترافق العادة السرية مثل الخيالات الجنسية المثلية والخيالات الجنسية المرتبطة بالأطفال والخيالات الجنسية المرتبطة بالمحارم من الأهل والخيالات السادية أو المازوخية أو التعلق بأشياء ورموز غير جنسية أو غير جسدية مثل التعلق بالأقدام أو الألبسة الداخلية وغير ذلك .. وفي هذه الحالات لابد من التوضيح أن الخيالات الجنسية عموماً يمكن لها أن تكون غريبة وعجيبة ومتنوعة بشكل كبير ..ولايسهل التحكم بهذه الخيالات وبظهورها .. ولكنها تبقى خيالات ذاتية وشخصية وسرية في العالم الشخصي للفرد ، ويبقى المهم والأساسي هو ضبط الخيال وعدم ممارستها في الواقع العملي . وعادة يمكن لكل هذه الخيالات أن تكون عابرة ومؤقتة ولاتتكرر كثيراً . ولايعني حدوثها أن الشاب مثلاً قد أصبح منحرفاً أو مريضاً .. بل تعني أن مثل هذه الخيالات يمكن أن تحدث وأنها عابرة ، ولابد من تنمية الخيالات الطبيعية الاعتيادية بدلاً عنها ، والابتعاد عن كل مايثير مثل هذه الخيالات المنحرفة كي لاتتثبت .
وفي بعض الحالات يمكن أن تتثبت مثل هذه الخيالات المنحرفة مما يطرح ضرورة العلاج النفسي الجنسي مبكراً .
4- "الأوهام والأساطير المرتبطة بالأداء الجنسي العام" والتي تترافق مع ممارسة الإثارة الجنسية الذاتية "العادة السرية" .. مثل أهمية الجاذبية الجنسية وجمال الوجه والجسم ، أهمية حجم القضيب عند الذكر ، درجة الانتصاب وشدته ، عدد مرات الوصول للذة الجنسية في اللقاء الواحد ، أهمية الوصول إلى اللذة الجنسية بنفس الوقت بين الزوجين ، وغير ذلك .. وتساهم هذه الأوهام في نشوء الاضطرابات الجنسية المتنوعة مثل ضعف الانتصاب وعدم الثقة بالنفس من النواحي الجنسية ، ضعف الرغبة الجنسية عند الجنسين ، المخاوف الجنسية المتعددة وقلق الأداء الجنسي ، الانحرافات الجنسية ، وغير ذلك ..
وهي تساهم أيضاً في نشوء اضطرابات نفسية متعددة مثل القلق والاكتئاب والرهاب الاجتماعي وغيره .. إضافة لمساهمتها في نشوء اضطرابات الشخصية واضطرابات التكيف الاجتماعي والنفسي .
ولابد من تعديل هذه الأوهام والأفكار الخاطئة الشائعة من خلال الثقافة الجنسية الصحية السليمة.. ويكون ذلك من خلال الاطلاع والتعلم أو من خلال استشارة الاختصاصيين في الطب الجنسي أو النفسي .
وأخيراً .. لابد من الإشارة إلى أن بعض" الشخصيات المنحرفة أو الجانحة" يمكن لها أن تمارس العادة السرية وبشكل علني أو بإشراك أشخاص آخرين معاً ، وهذا بالطبع سلوك منحرف يحتاج للعقاب والضبط . كما أن بعض "حالات الفصام العقلي المبكرة" يمكن لها أن تترافق مع الإكثار من العادة السرية بسبب اضطراب في التفكير أو غرابته أو العزلة الاجتماعية ، وعندها تكون العادة السرية مرافقة لظهور اضطراب العقل ولاتكون سبباً له كما هو شائع .. وربما يفسر ذلك الفكرة الخاطئة بأن" العادة السرية تؤدي إلى الجنون ". وفي "حالات التخلف العقلي" بمختلف درجاته تكثر ممارسة الإثارة الجنسية الذاتية بشكل متكرر أو بشكل فاضح دون الانتباه إلى وجود الآخرين ، مما يستوجب التوجيه والتدريب والضبط المتناسب مع هذه الحالات .
خاتمة:
أصبحت المكتبة العربية في الوقت الحالي غنية بمؤلفات جادة تثقيفية في القضايا الجنسية ، وكثير من المؤلفين هم من الأطباء الاختصاصيين .. كما تحتوي المجلات الطبية المتنوعة على موضوعات تثقيفية جنسية مفيدة وكذلك القنوات الفضائية من خلال برامج جادة أو حوارية أو تعليمية وكذلك مواقع الانترنت الجادة .
ولكن بشكل عملي .. نجد أن المصادر الشائعة للثقافة الجنسية تعتمد بشكل واضح على الأفلام والصور الإباحية أو نصف الإباحية ، من خلال أفلام السينما والفيديو والأقراص المدمجة وبعض مواقع الانترنت ، وغيرها من القصص والمجلات الخليعة التي تهدف أساساً إلى الإثارة والربح والميوعة .. وهي تنمي الخيالات المتطرفة والشاذة أو غير الأخلاقية وهي ممنوعة بنسب متفاوتة في معظم المجتمعات ولكنها تبقى مصدراً خطراً للثقافة الجنسية .
ولابد من الإشارة هنا إلى أن الجهل والتخويف يمكن أن يؤدي إلى مشكلات متنوعة جنسية واجتماعية وأخلاقية ، كما يؤدي إلى البحث عن مصادر للمعلومات قد تكون خاطئة وسيئة ومنحرفة .
ومما لاشك فيه أن العلم نور وأن المعرفة تخفف من القلق وتساعد على الضبط وفهم الطفل أو المراهق لنفسه وأعضائه ، ويمكن أن تجنبه أمراضاَ ومشكلات كثيرة .
ولابد للمجتمع من تحسين ثقافته الجنسية الطبية وترسيخها ومواجهة الموضوعات الحرجة تربوياً واجتماعياً وإعلامياً دون أن نغمض أعيننا عما يجري حولنا أو في بيوتنا ، مما يضمن حياة أفضل للجميع ..ومن ذلك ضرورة طرح موضوعات الثقافة الجنسية الصحية المتنوعة وإغنائها،وموضوعات الملل الجنسي بين الأزواج وكيفية التعامل معه، وموضوعات الإيذاء الجنسي ومشكلاته إعلامياً وتربوياً ،وغير ذلك من الموضوعات .
ولابد من الحديث عن هذه الأمور دون إخفائها والتستر عليها ، مما يساهم في رفع مستوى الوعي العام الأسري والتربوي والنفسي في المجتمع الكبير ، وأيضاً عند الأطفال والمراهقين والشباب أنفسهم .. وضمن إطار منطقي وعملي يسعى إلى الوقاية والعلاج ، ويسعى إلى الحد من المشكلات الجنسية والنفسية المتعددة دون مبالغة أو إهمال .
تم النشر في 15/4/2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق