بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 8 سبتمبر 2016

"فقدان الدور" والتكيف والاكتئاب: Role Loss,Adjustment & Depression

"فقدان الدور" والتكيف والاكتئاب:
Role Loss,Adjustment & Depression
الدكتور حسان المالح - استشاري الطب النفسي - أستاذ في الجامعة العربية الدولية - العيادة النفسية الاستشارية - دمشق 
 2322841


إن تجارب الفقدان المتنوعة يمكن لها أن ترتبط بنشوء الاكتئاب، او المساهمة بنشوئه ضمن عوامل أخرى عضوية ووراثية وشخصية.
وتشمل تجارب الفقدان فقدان شخص عزيز (زوج – زوجة، ابن – ابنة، أم – أب، أخ – أخت، صديق – صديقة، حيوان أليف، وغير ذلك).
ويمثل موت الآخر وفقدانه (أو التهديد بذلك) صدمة نفسية هامة تتطلب التعامل معها وفقاً لتكوين الشخص وقدراته الذاتية، وأيضاً وفقاً لتكوينه الاجتماعي والثقافي.
وهناك عديد من الدراسات النفسية التي تؤكد على ارتباط الاكتئاب بتجارب الفقدان المتنوعة. وأيضاً على أهمية تجارب الفقدان في تكوين الاستعداد النفسي للاكتئاب في مراحل تالية من حياة الشخص.
وفي دراسات أخرى يتم التأكيد على تجارب الفقدان الأخرى واعتبارها أزمة حياتية وضغطاً وشدة نفسية يمكن أن تساهم في نشوء الاكتئاب. مثل فقدان الصحة أو فقدان عضو من أعضاء الجسم (بتر اليد أو الساق، فقد الثدي، فقد العين، وغير ذلك). وفقدان القدرة على الانجاب (سن اليأس)، فقدان الجمال والجاذبية الجنسية، فقدان الثروة والمال، فقدان العمل، فقدان المسكن، فقدان المكانة الاجتماعية، وفقدان الدور الاجتماعي، وغير ذلك.
وفي الملاحظات العيادية نجد أن فقدان الدور الاجتماعي الذي كان يقوم به الشخص يشكل أزمة حياتية شديدة وضغطاً نفسياً كبيراً.. كأن تفقد المرأة دورها كأم من خلال ابتعاد أبنائها عنها أو سفرهم أو زواجهم .. وهي تحاول أن تتشبث بدورها الأمومي بكل الطرق الممكنة وتحاول التواصل مع أبنائها وتتابع أحوالهم وتفاصيل حياتهم وربما مضايقتهم في ذلك، كي تبقى تمارس دورها الذي تعرفه كأم.
ولكن الواقع قد تغير والأبناء صاروا كباراً ولم يعودوا بحاجة كبيرة لرعايتها ومشورتها .. وربما تتعرض خلال تلك الأزمة للقلق والاكتئاب والشكاوى الجمسية المتنوعة نفسية المنشأ وغير ذلك.
ويواجه عديد من المتقاعدين مشكلة فقدان الدور المهني الذي عاشوه لسنوات طويلة .. ويجد المدرس نفسه بلا طلبة وبلا مدرسة .. وهو يحاول التشبث بدوره ويستمر في تعامله مع من حوله بأسلوب المدرس الذي ينتقد ويعطي المواعظ والحكم .. دون تقدير أن الآخرين ليسوا من طلابه .. وربما يجد نفسه مكتئباً أو قلقاً، أو أنه يقوم بسلوكيات مرضية كأن يحاول الظهور بمظهر أصغر سناً، أو أنه يحاول أن يتزوج من فتاة صغيرة، وغير ذلك من سلوكيات لا تتناسب مع مرحلة عمره الحالي.
ولا بد من التاكيد على أن الإنسان يلعب أدواراً متعددة خلال مسيرة حياته .. وهو يحتاج إلى التكيف مع ظروفه ومع مراحل حياته المختلفة. وهناك أدوار تنتهي أو تتقلص .. وهناك أدوار أخرى يمكن له أن يمارسها.
وكلما كان الشخص أكثر مرونة في تقبل واقعه وظروفه الشخصية والحياتية، كلما كان أكثر قدرة على التكيف الناجح، وعلى الحصول على السعادة والرضا عن نفسه وحياته.
ومن المفيد التنبه إلى موضوع فقدان الدورRole Loss (الاجتماعي – المهني – وغيره) في الممارسة العيادية والعلاج النفسي. والعمل على مساعدة المريض الذي يعاني من الضغط النفسي أو القلق أو الاكتئاب، على تفهم حالة فقدان الدور التي تؤثر فيه، ومن ثم قبول هذا التغير والتكيف معه، إضافة إلى مساعدته في إيجاد أدوار أخرى تناسبه وترضيه.
ومن المهم من النواحي الاجتماعية الاهتمام بموضوع الأدوار المناسبة لمختلف الفئات العمرية، ولا سيما مراحل التقدم في العمر"الكهولة والشيخوخة". وضرورة توفير الظروف الملائمة والمساعدة على القيام بأدوار مفيدة ومرضية .. ومنها موضوع العمل بدوام جزئي، وأعمال الخبير الاستشاري في مجال معين، كادوار مهنية متجددة.
إضافة إلى تحسين ظروف كبار السن وتوفير ما يناسبهم من نشاطات اجتماعية وثقافية وترفيهية وغيرها .. مما يساهم في تطوير الصحة النفسية وتحسينها للجميع.
دمشق 8-9-2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق